يا خليليَّ وأيامُ الصبا – حيدر بن سليمان الحلي

يا خليليَّ وأيامُ الصبا … حلباتٌ فانهضا نستبقِ

خَلعت خيلُ التصابي عذرَها … فَرِدَا فيها بحزوى غدرَها

واقنصا بين الخزامى عفرَها … فاتَ فيما قد مضى أن تطربا

إنّ أيامَ الصِبا في مذهبي … لأخي الشوقِ دواعي الطربِ

فعلى جلوة ِ بنتِ العنبِ … أو على نرجس أحداق الظِبا

زال عنّي يا نديميَّ الوَصبْ … أقبلَ النورُ ولي فيه أَرب

أبرز الأنفاءَ في زيّ عَجب … ومن الوشيِ كساها قُشُبا

وشحَّ الطلُّ عروسَ الزهرِ … بسقيطِ اللؤلؤ المُنحدر

ثم حيّاها نسيمُ السَحر … وَجلاها فوق كرسيّ الرُبا

أَعرسَ الروضُ بنوّارٍ حلا … عندليبُ الأَيكِ فيهِ هَلهَلا

رقص القطرُ فغنَّى وعلى … منبرِ الأغصانِ لمّا خطبا

في ربيعٍ بالتهاني زَهَرا … فرشَ الأرضَ بهاراً بَهرا

ودَنانيراً عليها نَثَرا … بيد الوسميِّ ليست ذهبا

كم شقيقٍ قد جلى عن نظرة ٍ … من بياضٍ مُشربٍ في حمرة ٍ

ومن الريحانِ كم مِن وفرة ٍ … رفرفت ما بين أنفاسِ الصَبا

وعلى خدٍّ من الوردِ بدا … صدغُ آسٍ بلَّه طلُّ الندى

في رياضٍ غضَّة ٍ فيها غدا … ضاحكاً ثغرُ الأقاحي عَجَبا

في الرياحين يطيب المجلس … لبني اللهوِ وتحلو الأكؤُسُ

نُزَهٌ تَرتاحُ فيها الأنفسُ … لمدامٍ عتّقوها حُقبا

بين سمطي ثغرِه للمستلَذ … خمرة ٌ لم يعتَصِرها مُنتَبذ

إن تغنّى هَزَجاً قلتُ اتخذ … مِعبداً عبداً وبعه إن أبى

ذي دلالٍ يتكفّى غَنَجا … فاقَ أنفاسَ الخزامى أرَجا

كلَّما شَعتها تحتَ الدُجى … خلتُه أوقد منها لَهبا

أيها المخجلُ ضوءَ القمرِ … حرِّك الشوق بجسِّ الوتر

فإلى ريقك ذاك الخَصِر … طربَ الصبُّ فزده طربا

واجلها وجنة َ خدٍّ أشرِبت … ماءَ وردِ الحسنِ حتى شرقت

وبكأَسٍ من ثناياك حَلَت … عاطنيها خمر ريقٍ أعذبا

من جنى النحلِ وربّ الفلق … كم ليالٍ بال

كم ليالٍ مُبيضة ٍ … نعّمتنا بفتاة ٍ غضّة ِ

صيغ حسناً نحرها من فضة ٍ … وهي تلويه وشاحاً مُذهبا

ذاتُ خدٍّ وردُه للمقتطِف … عقرب الصِدغِ عليه تَنعطِف

وعلى فرشٍ من الجعدِ تَرِفُ … طالما العاشقُ منها قلّبا

حيّها عاقدة َ زِنّارَها … كم قَضت مِن صبِّها أوطارَها

ودعت في خِدرِها مَن زارَها … لبني الأتراكِ أفدي العَرَبا

لو تَطيقُ العربُ من إشفاقِها … حمت الطيف على مُشتاقِها

وغواني التركِ مع عُشّاقِها … كلَّما مدَّ الظلامُ الغَيهبا

من عذيري من غُزالٍ ثملِ … ثعلي الجِفن لا من ثعل

راش بالأهدابِ سهمَ المُقلِ … لو رمى من حاجب فيمن صبا

يا خليليَّ على ذكرِ المُقلِ … خلتُما همت وَمن يسمعَ يَخل

لا وما في الرأسِ من شيبي اشتَعل … إنّما كان غرامي كَذِبا

إن ريعانَ الشباب النظرِ … وطرُ العمرِ وعمرُ الوَطرِ

فخذا غيدَ الطلى عن بَصري … فاتني العشق وفي عصرِ الصِبا

كان ذياك السوارُ المنقلِب … شافعاً عند العذارى لم يَخِب

فأتى الشيبُ ولي قلبٌ طَرِب … فبماذا أبتغي وصل الظِبا

وعظ الحُلُم فلبَّاه النُهى … ونهى جهلَ التصابي فانتهى

فبِما راع بفوديَّ المَها … خبَّراها، إنَّ طرفي قد نبا

قد وهبنا لسُلَيمى قدَّها … وعلى اللثمِ وفرَنا خدّها

بَردُ الشوقُ فعفنا بردَها … واقتبلنا فرحة ً قد أعربا

إن في عرسِ الحسينِ ذي النهى … حيّز الكون جميعاً قد زهى

وبهاءُ الغرب للشرقِ انتهى … يبهجَ العينَ ويجلو الكُرُبا

بشّر الدينَ به أنَ سَيلد … مَن حُبا الدينِ عليهم تَنعقد

والمعالي هنِّها أن ستَجد … منه في أفقِ شناها شُبها

فله الأملاكُ لمّا عَقَدوا … كلُّهم لله شِكراً سَجَدوا

وعلى «المهديِّ» طُرّاً وفدوا … ثمَّ هنَّوهُ وقالوا: لاخبا

يا صَبا البشرِ بنشرٍ رَوِّحي … شيبة َ الحمدِ وشيخَ الأبطحِ

وعلى «الهادي» بريّاكِ انفحي … ولأنفِ المرتضى والنُقَبا

وعلى الفيحاء زهواً عرّجي … وانقلي فيها حديث الأرج

وانشري وسطِ حِماها المُبهج … لا عن الشيح ولا عودِ الكبا

مَن به الدينُ الحنيفيُّ اعتضد … والهدى فيه اكتسى عزّ الأبد

جدَّ في كسبِ المعالي واجتهد … وسواه يَستجيدُ للَقبا

ضَمنَ الفخرَ بمُثنى بُردهِ … ووطى الشهبَ بعالي جَدِّه

كان نصفاً لو أعادي مجدهِ … كلَّما حلّت لمرآه الحُبا

نَشَرَ المطويَّ عمَّن سَلَفوا … فطوى مَن نَشرتهُ الصُحفُ

أينَ منهُ وهو فينا الخَلفُّ … إنّه أعلمُ ممّن ذَهَبا

يا بن مَن قد عُبِدَ الله بهم … ولهم من سَلَّم الأمرَ سلِم

إن أنفاً أن مدحناك رُغم … ليتَه ما شمَّ إلاّ التُربا

لكَ لا مُدَّت من الدهرِ يدُ … فلأَنتَ الروحُ وهو الجسدُ

وهو الباعُ وأنت العضدُ … كم ألنّا بكَ منهُ المنكبا

تزدهي الأمجادُ في آبائِها … وتباهى الصيدَ من أكفائِها

ونرى هاشمَ في عَليائِها … أنت قد زيَّنتَ منها الحسبا

فالورى شخصٌ بجدواك كما … أصبحت في مدحك الدُنيا فما

لو بتقريضِك أفنى الكَلِما … لم يصف معشارَ ما قد طَلِبا

دارك الدنيا وأنتَ البشرُ … ولك الوِردُ معاً والصَدَرُ

وبتعليمك جادَ المطرُ … فالورى لو كفرت منك الحَبا

هي أرضٌ فيها مَلِكُ … أم سماءٌ أنتَ فيها مَلَكُ

دارُ قدسٍ يتمنى الفَلكُ … لو حوى ممّا حوته كوكبا

كلُّ ذي علم فمنهم ستمد … وإليهم كلُّ فضلٍ يستَند

وبتطهيرُهم الله شهد … حَنق الخصمُ فقلنا: اذهبا

حسدت شمسُ الضحى أمَّ الهدى … فتمنَّت مثلَهم أن تَلدا

وابنُها البدرُ لهم قد سجدا … وحياءً منه مهما غَرُبا

كلُّهم جعفرُّ فضلٍ من يَرد … خُلقَه العذب ارتوت مِنه الكَبد

أَبداً في الوجهِ منه يطّرد … ماءُ بشرٍ من رآه عَجبا

ففداءً لمحيّاه الأغر … أوجهٌ تُحسبُ قُدَّت من حجر

أين هم من ذي سماحٍ لو قدر … وعلى قدرِ عُلاهُ وهبا

لا تفقه والورى في حلبة ٍ … فلقد بان بأعلى رتبة ٍ

ولئن كانَ وهم من منبتٍ … فالثرى يُنبتُ ورداً طيباً

جاء للمجدِ المًعلّى “صالحاً” … بحرَ جودٍ بالمزايا طافحا

فغدا فكريَ فيه سابحا … يُبرز اللؤلؤَ عِقداً رَطبا

فرعُ مجدٍ كرمت أخلاقه … فكستها طيبَها أعراقُه

يهجر الشهدَ لها مشتاقُه … لو بكأَسِ الدهر منها سكبا

وَرِعٌ أعمالهُ لو وزّعت … في الورى عنها الحدودُ ارتفعت

أو بتقواه الأنامُ ادَّرعت … لَوَقَهَّا في المعادِ اللَّبها

بأبي القاسم قد حلَّت لنا … راحة ُ الأفراحِ أزرارَ المنة

لم يُزنه بل به زين الثنا … أُفحِمَ المُطري فكنَّى مُغرِبا

بالحسينِ استبشروا آلَ الحسب … وابلغوا في عُرسِه أسنى الأرب

ولكم دام مدى الدهرِ الطرَب … بختان الطيبينَ النجبا