لله ساعٍ بلَّغتهُ قدمهْ – مهيار الديلمي

لله ساعٍ بلَّغتهُ قدمهْ … حيث تعدَّت عالياتٍ هممهْ

طوى السُّرى يبغي العلا حتى انطوى … إخوته تحت الظلام أنجمهْ

حكَّمَ أخطارَ الفلا في نفسه … يوغلُ أو تمَّ له تحكُّمهْ

تحصُّه الأيّام وهو طائرٌ … يزاحم الحظَّ به تهجُّمهْ

وقاعدٌ مع العفاف قانعٌ … ببلغة ِ الزاد حشاه وفمهْ

لم تنتقص طلاوة ٌ في وجهه … ورقّة ً ذلُّ السؤالِ يصمهْ

يألمُ كلَّ قطرة ٍ سائلة ٍ … من مائه كأنما سال دمهْ

تلوَّنتْ خلائقُ الدهر به … فحنَّكته شهبه ودهمهْ

واختبر الناسَ فلو ساومته … قربَ أخيه خلته يحتشمهْ

إن كان لا يُرزق إلا سائلا … فرزقه المشكورُ مما يُحرمهْ

والله ما عفتُكِ يا دنيا قلى ً … وإنَّ فيك لمتاعا أعلمهْ

لكنَّ أبناءكِ من لا صنعتي … صنعته ولا وفائي شيمهْ

أخرجُ من مكمنهِ الصِّلَّ وما … فيهم بسحري من يصحُّ سقمهْ

عندهمُ شكري وما أموالهمُ … عندي فهل عندك ذا من يقسمهْ

كم باسمٍ لي من وراءِ شرِّه … والليثُ لا يغُرُّني تبسُّمهْ

لو لم يقِ اللهُ وحزمٌ ثابتٌ … ما نصلتْ عندي سدادا أسهمهْ

وواسعٍ ملكا وصيتا واجدٍ … ما شاء لم يسمع بشئ يعدمهْ

أمطرَ صيفيّاً فظنّ أنّه … قد عمّت الأرضَ جميعا ديمهْ

أسهرني في المدح لا يلزمني … عجباً به ونام عمّا يلزمهْ

ما ضاق في قبوله ورأيه … في الجود لكن ضاق عنّي فهمهْ

في وجهه بِشرٌ وفيه كرمٌ … فبشرُه لي ولغيري كرمهْ

رحمتُ حظّي أمس فيما فاتني … من ماله واليومَ منه أرحمهْ

وخاطبٍ على اتحادي صحبتي … والبدرُ مولودٌ يعزُّ توأمهْ

أرادني مستجلباً فؤاده … وردّني مستعلياتٍ قيمهْ

فكَّرَ فاستكثرَ لي ديناره … محاسباً ولم يسعني درهمهْ

فإن يكن وصلٌ فمنِّي أو يكن … حبلُ وفاقٍ جُذَّ فهو يصرمهْ

ليت الحسينَ الحاملي من بينهم … على طريقٍ واضح لي لقَمُهْ

تخلده الدنيا وتستبقيه لي … وغيره تبقيه أو تخترمهْ

أوَ ليته يمنعني مخففا … فإنها قد أثقلتني نعمهْ

سيبٌ على سيب كما تقطَّعتْ … أوكية المزن وحلَّت عصمهْ

كأنّ ما نغنمَ من أمواله … حطٌّ يخاف فوته يغتنمهْ

أعيا على الوفرِ فبينا فضلهُ … يبنيه إذ عنّ سؤالٌ يهدمه

كأنه أقسم لا نال الغنى … فهو بما يعطى يحلُّ قسمهْ

عاقدني الودَّ فلا قارضة ٌ … تنشره ولا حسودٌ يفصمهْ

مجتهدُ البرَّ ولو قاطعته … في صلتي كأنَّ ودّي رحمهْ

ملَّكه السوددَ أصلٌ فارعٌ … فيها وأيٌ بارعٌ يتمِّمهْ

يجمعُ بين كلِّ ضدين له … حتى تصافى سيفه وقلمهْ

ما خلبتْ من اصطفاك برقة ٌ … فيك ولا أخلفه توسُّمهْ

لمّا قضى قاضي القياس عنده … من هائبُ الأمرِ ومن مقتحمهْ

ومن أخو الفخر إذا ما أشكلتْ … مذاهبُ الفخر وخيفتْ ظلمهْ

شمَّ الذليلُ التربَ رغما ووُقي … أنفُ الحميِّ أن يُضامَ شممهْ

ما للحسود فرصة ٌ يعيبها … منك ولا ذنبٌ عليك ينقمهْ

بلى خلالٌ قد شجاه غيظُها … ينفثه طورا وطورا يكظمهْ

يكتمها واللهُ يبدي فضلها … كالشيب صاح باسمه من يكتمهْ

اسمعْ لها كما احتبتْ بنورها … غنَّاءُ يُوشى بردها ويعلمهْ

درَّ لها نوءُ السِّماك وخبا … من وهج القيظِ عليها مرزمُهْ

تزاحمتْ مصطخبا نباتُها … بحيث هبهابُ الرياح زمزمُهْ

عرضك منها عبقاً معرَّفٌ … عرفَ اليلنجوج ذكيّا فحمُهْ

شاهدة لمفصح فاهَ بها … أن الكلامَ الحرَّ عبدٌ يخدمُهْ

إذا رآك الناسُ في وشاحها … تحمله مقلَّدا أو تفغمهْ

تعجّبوا من شكلها في حمله … وصفك منظوماً ومنه أنظمُهْ

كلُّ كريم منطقٍ شاعرهُ … وأنتَ من فرط السماح تفحمُهْ