حيَّ مغنى الهوى بوادي الشآمِ – محمود سامي البارودي

حيَّ مغنى الهوى بوادي الشآمِ … وَادْعُ بِاسْمِي تُجِبْكَ وُرْقُ الْحَمَامِ

هنَّ يعرفنني بطولِ حنيني … بينَ تلكَ السهولِ وَ الآكامِ

فَلَقَدْ طالَمَا هَتَفْنَ بِشدْوِي … وَتَنَاقَلْنَ مَا حَلاَ مِنْ هُيَامِي

وَ لكمْ سرتُ كالنسيمِ عليلاً … أتقرى ملاعبَ الآرامِ

فِي شِعَارٍ مِنَ الضَّنَى ، نَسَجَتْهُ … بخيوطِ الدموعِ أيدي الغرامِ

كُلَّمَا شِمْتُ بارِقاً خِلْتُ ثَغْراً … باسماً منْ خلال تلكَ الخيامِ

وَالْهَوى يَجْعَلُ الْخِلاَجَ يَقِيناً … وَيَغُرُّ الْحَلِيمَ بِالأَوْهَامِ

خَطَرَاتٌ لهَا بِمِرْآة ِ قَلْبِي … صورٌ لا تزولُ كالأحلامِ

مَا تَجَلَّتْ عَلَى الْمَخِيلَة ِ إِلاَّ … أذكرتني ما كانَ منْ أيامي

ذَاكَ عَصْرٌ خَلاَ، وَأَبْقَى حَدِيثاً … نَتَعَاطَاهُ بيْنَنَا كَالْمُدَامِ

كُلَّمَا زَحزَحَتْ بَنَانَة ُ فِكْرِي … عنهُ سترَ الخيالِ لاخ أمامي

يَا نَسِيمَ الصَّبَا ـ فَدَيْتُكَ ـ بَلِّغْ … أهلَ ذاكَ الحمى عبيرَ سلامي

وَ اقضِ عني حقَّ الزيارة ِ ، وَ اذكرْ … فرطَ وجدي بهمْ ، وَ طولَ سقامي

أنا راضٍ منهمْ بذكرة ِ ودًّ … أوْ كتابٍ إنْ لمْ أفزْ بلمامِ

همْ أباحوا الهوى حريمَ فؤادي … وَ أذلوا للعاذلينَ خطامي

أَتَمَنَّاهُمُ، وَدُونَ التَّلاَقِي … قذفاتٌ منْ لجًّ أخضرَ طامي

صَائِلُ الْمَوْجِ كَالْفُحُولِ تَرَاغَى … منْ هياجٍ ، وَ ترتمي باللغامِ

وَ ترى السفنَ كالجبالِ ، تهادى … خَافِقَاتِ الْبُنُودِ وَالأَعْلاَمِ

تَعْتَلِي تَارَة ً، وَتَهْبِطُ أُخْرَى … في فضاءٍ بينَ السها وَ الرغامِ

هِيَ كَالدُّهْمِ جَامِحَاتٌ، وَلكِنْ … لَيْسَ يُثْنَى جِمَاحُهَا بِلِجَامِ

كُلُّ أُرْجُوحَة ٍ تَرَى الْقَوْمَ فِيهَا … خشعاً بينَ ركعٍ وقيامِ

لا يُفِيقُونَ مِنْ دُوَارٍ: فَهَاوٍ … لِيَدَيْهِ، وَرَاعِفُ الأَنْفِ دَامِي

يستغيثونَ ، فالقلوبُ هوافِ … حَذَرَ الْمَوْتِ، وَالْعُيُونُ سَوَامِي

فِي وِعَاءٍ يَحْدُونَهُ بِدُعَاءٍ … لِجَلاَلِ الْمُهَيْمِنِ الْعَلاَّمِ

ذاكَ بحرٌ يليهِ برٌّ ترامى … فيهِ خوصُ المطيَّ مثلَ النعامِ

فسوادي بمصرَ ثاوٍ ، وقلبي … فِي إِسَارِ الْهَوَى بِأَرْضِ الشَّآمِ

أخدعُ النفسَ بالمنى ، وَ هي تأبى … وَخِدَاعُ الْمُنَى غِذَاءُ الأَنَامِ

فَمَتَى يَسْمَحُ الزَّمَانُ، فَأَلْقَى … بـِ ” شكيبٍ ” ما فاتني منْ مرامِ

هُوَ خِلٌّ، لَبِسْتُ مِنْهُ خِلاَلاً … عبقاتٍ ، كالنورِ في الأكمامِ

صَادِقُ الْوُدِّ، لاَ يَخِيسُ بِعَهْدٍ … و قليلٌ في الناسِ رعى ُ الذمامِ

جمعتنا الآدابُ قبلَ التلاقي … بِنَسِيمِ الأَرْوَاحِ، لا الأَجْسَامِ

وَبَلَغْنَا بِالْوُدِّ مَا لَمْ يَنلْهُ … بِحَيَاة ِ الْقُرْبَى ذَوُو الأَرْحَامِ

فَلَئِنْ لَمْ نَكُنْ بِأَرْضٍ، فَإِنَّا … لاِتِّصَالِ الْهَوَى بِدَارِ مُقَامِ

وَ ائتلافُ النفوسِ أصدقُ عهداً … مِنْ لِقَاءٍ لَمْ يَقْتَرِنْ بِدَوَامِ

ألمعيٌّ لهُ بديهة ُ رأيٍ … تدركُ الغيبَ منْ وراءِ لثامِ

وَ قريضٌ كما وشتْ نسماتٌ … بِضَمِيرِ الأَزْهَارِ إِثْرَ الْغَمَامِ

هَزَّني شِعْرُهُ؛ فَأَيْقَظَ مِنِّي … فِكرَة ً كَانَ حَظُّهَا فِي الْمَنَامِ

سُمْتُها الْقَوْلَ بعْدَ لأَيٍ، فَبَضَّتْ … بيسيرٍ لمْ يروِ عودَ ثمامِ

فارضَ مني بما تيسرَ منها … ربَّ ثمدِ فيهِ غنى عنْ جمامِ

وَلَوَ انِّي أَرَدْتُ شَرْحَ وِدَادِي … وَاشتِيَاقِي ـ لَضَاقَ وُسْعُ الكَلاَمِ

أنا هواكَ فطرة ً ، ليسَ فيها … مِنْ مَسَاغٍ لِلنَّقْضِ وَالإِبْرَامِ

وَ إذا الحبُّ لمْ يكنْ ذا دواعٍ … كانَ أرسى قواعداً منْ شمامِ

فَتَقَبَّلْ شُكْرِي عَلَى حُسْنِ وُدٍّ … رُحْتُ مِنْهُ مُقَلَّداً بِوِسَامِ

أتباهى بهِ إذا كانَ غيري … يتباهى َ بزينة ِ الإنعامِ

دُمْتَ فِي نِعْمَة ٍ تَرِفُّ حُلاَهَا … فوقَ فرعٍ منْ طيبِ أصلكَ نامى

كلمات: محمد الفريح

ألحان: طلال مداح