جثمَ اللَيلُ بِأَحضانِ التِلال – الياس أبو شبكة

جثمَ اللَيلُ بِأَحضانِ التِلال … حالَكَ البَردةِ مَنشورَ الظلال

كخضَمٍّ غَرقَ الهَمُّ بِهِ … فَاِعتَرى أَمواجَه صمتُ الجلال

وَأَنا في مخدَعي لا تَنثَني … عن جُفوني مُردا الشَهد الطوال

في فُؤادي مِن غَرامي صورَةٌ … وَعلى عَينَيَّ من حُبّي خَيال

هوذا البَدرُ بِأَبهى رَونَقِ … صاعِدٌ خَلفَ جبالِ المَشرقِ

غَرقت هالتُه في غيمَةٍ … كَدُموعٍ غَرَقَت في حَدَقِ

أَو كَأَحلامِ لَيالِيَّ وَقد … ذُوِّبَت بَين بخارٍ أَزرَقٍ

فَتَراءى اللَيلُ سَكرانَ بِما … ذابَ في مرشِفِهِ المحتَرِقِ

يا فَتاةً بَينَ جنبَيَّ هواها … لَكِ عندي حرمةٌ رَبّي رَعاها

كانَ في صَدرِيَ آمالٌ وَقَد … مَرَّ إِخفاقي عَلَيها فَمَحاها

إِنَّ في عَينَيكِ آثاري فَلا … تُنكِريها عَزَّزَ اللَهُ بَقاها

فَهما مِرآةُ قَلبي في الهَوى … كَم أَرَتني مُهجَتي عِندَ رُؤاها

يا فَتاتي تَحت زَهرِ الياسمين … قَد تَعاهَدنا عَلى حُبٍّ أَمين

لا يَزالُ الزَهرُ بَسّاماً لَنا … شاهِداً عَدلاً عَلى تِلك اليَمين

فَاِذكُري ذلِكَ وَالدَمعَ الَّذي … قَد ذرَفناهُ بِشَوقٍ وَحنين

كانَ ذاكَ الدَمعُ ماءً منزِلاً … عَمَّدَ الحُبَّ بِدينِ العاشِقين

يا فَتاتي كانَ لي مَسعىً وَقَد … صَفِرت مِنهُ عُيوني وَيَدي

إن يَكُن أَخفَقَهُ الحَظُّ فَلا … بُدَّ من يَومِ نُهوضٍ في الغَدِ

أَنا في العِشرينَ عَفواً إِنَّني … أَمرَدٌ لا تعبَثي بِالأَمرَدِ

إِنَّ لِلأَشبالِ ساعاتِ دَدٍ … وَكَذا لِلصبِّ ساعاتُ دَدِ

يا فَتاتي إِن تَكوني تَفخَرين … عِندَما أُذكَرُ بَينَ النابِهين

فَليَكُن فَخرُكِ قَلبي إِنَّهُ … ذابَ من أَجلِكِ في كَأسِ الأَنين

وَإِذا ما اِفتَخَرَ الناسُ غَداً … فَاِفتِخاري بِشِعارِ البائِسين

ريشَةٌ من قَصَبٍ عَلَّقتُها … فَوقَ تاريخِ الرِجالِ الخالِدين

ريشَةٌ من قَصبٍ ناجيتُها … وَأَنا أَلثُمُ هاتيكَ الخُدود

إِن أَكُن ناجيتُها مُنذُ الصِبا … سَوفَ من بعدي يُناجيها الوُجود

سَوف من بَعدِيَ تَبقى أَثَراً … بِرَسمُ المَجدَ عَلى لوحِ الخُلود

وَيُطِلُّ الدَهرُ مِن كوَّتِهِ … لِيَراها كَيف تُرمى بِالوُرود