إطوياني ملامة وانشراني – حيدر بن سليمان الحلي

إطوياني ملامة وانشراني … بلغ الوجدُ حيث لا تبلغاني

قد عناني جويً يطول وفيه … يقصر اللومُ عن مردّ عناني

كيف عيني لم تغدُ بيضاء حزناً … وهي قد أصبحت بلا إنسان؟

إنَّ صوت النعيِّ مذ خاض سمعي … خلته في حشاي غربَ سنان

وعضضت البنانَ غيظاً ولكن … لا يفيد المكلوم عضُّ البنان

فاعذراني إذا ربطتُ فؤادي … بيدي وانطويتُ ممّا دهاني

إنَّ قلبي من دهشتي طار رعباً … فغدا وهو دائم الخفقان

كفكفا عن حشاي غرب ملامي … من جراح الجوى بها ما كفاني

أين منّي صبري لأرضى فأسلو … صبري اليوم والرضا ميّتان

أنا يا لائميّ أدرى بطبّي … فاعذلاني ما عشتُ أو فاعذراني

سليّاني بردً روحي وإلا … فبماذا عنه إذاً سلواني

قرّباه فوق الثرى اليوم منّي … أو فمنه تحت الثرى قرَّباني

واقبراه إذاً بقلبي وإلا … فخذاه بقبره واقبراني

وإلى جنب مهجتي وسّداه … أو إلى جنب جسمه وسّداني

فحياتي وموته رزآن … لم أقدّرْ عليَّ يجتمعان

بل تخيلتُ أن يعيش وأفنى … أو سواءً تضمُّنا حفرتان

لم أفارقه أجنبياً ولكنْ … هو روحي وفارقت جثماني

قد نشرنا ما بيننا الودَّ دهراً … فطواه الردى وليت طواني

غمّضا ناظري ما عشتُ غيظاً … فعلى مَن بعد “الرضا” تفتحان

وزفيري ثقّف حنايا ضلوعي … فعلى ودِّ مَن تبين حواني

وخطوب الزمان دونك شخصي … فلك اليوم قد كشفتُ عياني

نزعت عنّي الحوادث درعى … فبمن أبَّقى شبا الحدثان

فلكم قد لويت دهري وهذا … دهري اليوم كيف شاء لواني

لك أسمحتُ يا خطوب الزمان … ذهبتْ نخوتي فهاك عناني

قد أبانت حشاي فاستهدفيها … نكبة طوّحت ضحى ً بأبان

راصدتني من حيث لست أراها … أعين النائبات وهي تراني

فرمتني من حيث لا أتّقيها … بسهام الهموم والأحزان

فأنا اليوم يا نوائبُ كلّي … مقتلٌ بارزٌ لمن قد رماني

كنت قدماً أذودُ نبلك عنّي … ببناني فأين منّي بناني؟

قد نعاه الناعي إليَّ أيدري … لا درى أنه إلى َّ نعاني؟

فحسبت الفؤاد منّي أضحى … بين نابي ذي سورة ٍ افعوان

لهف نفسي على صريع حمامٍ … ليس لي عنه بالدفاع يدان

ودَّت المكرمات لو أنَّ منها … غسلته بدمعها العينان

ومسجّى ً بنعشه في حبيرِ … هو والجودُ فيه ملتحفان

حملوه وخلفه كلُّ عافٍ … بدماه عيناه فائرتان

قائلاً: أيكة الرجاء اظمأي اليو … م وعودي مصفرَّة العيدان

مصَّ منك الصعيدُ ماء سماحٍ … كنت فيه ريانة الأغصان

عجباً خفَ نعشه وهو قد سار … ر بثقل المعروف والإحسان

بل أراه ما خفَّ إذ سار لكن … حملته ملائكُ الرحمان

شيَّعته الأنامُ بالأحزان … والتقته بالبشر حورُ الجنان

هل كذا جلّ نعشُ ميتٍ سواه … أختلطا عند نعشه العالمان

وعليه قد ودَّت الأرضُ يبقى … ويرى كلَ مَن عليها فان

فاحملاني إلى ثراه أحملاني … وقفا بي عليه وقفة عان

ودعاني خلف الصعيد أناديه … نداء المروَّع اللهفان

يا فقيداً فقدتُ منه غماماً … كلما قلت قد ظمئت سقاني

ودفيناً دفنتُ منه حساما … كنت أعددته لحرب الزمان

أغمدتْه في الترب كفِّي فشلَّت … فات نصري وابتُ بالخذلان

شغلت منطقي عليه المراثي … وخلا من هوى سواه جناني

يا تراني أثني على مَن بمدحٍ … وهوى من أحبُّه يا تراني

مات محي الثنا ولولا أبوه … قلت في لحده دفنت لساني

ذاك منه صفاته الغرِّ جاءت … في مزايا علاه طبق المعاني

صالح الفعل راجحُ الفضل غوث الـ … ـمستغيثين غيثُ أهل الأماني

ورعٌ ناسكٌ تفرّغ لله … بقلبٍ من خوفه ملآن

جامعٌ قسوة الحميَّة للدين … انتصاراً ورقّة الإيمان

وبعزِّ الملوك يصبح مرهو … باً ويمسي بذلَّة الرهبان

صدق المدحُ في علاه فقل ما … شئت في مجده العظيم الشان

هو في الخير من قديم الليالي … خيرُ من قد مشت به قدمان

أثقلت كاهل الزمان أياديه … فأمسى عياله الثقلان

وعلى الأرض كلها من نداه … أثرٌ طيبٌ بكل مكان

قد بنى للقرى على الكرخ بيتاً … والتقى اسُّ ذلك البنيان

شارعَ الباب تلتقي طرقُ الأر … ض جميعاً لديه بالضيفان

رافعاً تحت ظلمة الليل للسا … رين فيه ذوائبَ النيران

كرماً قد أعدَّ للضيف فيه … عدد الطارقين غرَّ الجفان

مكرماتٌ ترى رضيع سماحٍ … عندها الدهرَ لا رضيع لبان

شكرُها أعجز الأنام فأنّي … قابلتها الأيامُ بالكفران؟

قلتُ للبحر هل تساويه يوماً … قال كلا: لا يستوي البحران

وسألتُ الحيا أتحكيهُ جوداً … قال: أين الباكي من الجذلان؟

ليس يحكيه في سماحة كفٍ … غيرُ من قد حكاه عزَّة شان

ذاك «عبد الكريم» من قد تسامى … شرفاً حطَّ دونه النَّيران

فهما فرقدا علاءٍ ومجدٍ … وهما ديمتا ندى ً وامتنان

كلما عنّ مفخرٌ يوم سبقٍ … فيه تلقاهما شريكي عنان

ولدا فتية ً هُم شهبُ الفخر … وإلا جداولُ الإحسان

متساوين في المكارم قد فا … قوا بفضل النهى على الفتيان

ينشر الحيُّ من طوى الموت منهم … ويعيد الباقي حياة الفاني

ما فقدت «الرضا» وذلك باقٍ … «مصطفى » الجود يا ركاب الأماني

فرديه خفائفاً تصدرى منه … ثقال الخطى على الركبان

هو صبحُ الأيام سعد الليالي … بهجة الدهر نور عين الزمان

تتلقاه من شذا حسبيه … عطرَ الجيب طيّب الأردان

ومن البشر في محيّاه بدرٌ … وبكفيه للندى «جعفران»

والأغرُّ “الهادي” إذا حار وفدٌ … فسناه دلالة الحيران

هو طلقُ العنان في الجود طلق الـ … ـوجه طلق اليدين طلق اللسان

ومزاياه في سما المجد شهبٌ … وهو فيها وصنوه القمران

و”أمين التقى وهل ضمّ مثلاً … لأمين في عصرنا المشرقان؟

طاهر النفس طاهر الجيب والأبـ … ـراد عفٌّ في السر والإعلان

أبداً في تقاه لم تتغبَّر … بغبار الآثام منه اليدان

وهو في صدق لهجة ٍ «كأبي ذرٍ» … وتقوى ً تحكى تقى “سلمان”

والمرجّى «محمدٌ حسنُ» الطلـ … ـعة ينضو اللثام عن كيوان

مخبراتٌ مخايل الفضل فيه … أن سيسموا فخراً على الأقران

يا «أبا المصطفى » وحلمك أرسى … في لقاء الخطوب من ثهلان

لك نفسٌ قدسية الذات فيها … حزتَ أعلى مراتب العرفان

وصف الله أن قلبك للتقـ … ـوى مشيراً بآية الامتحان

وأرى الصابرين في عصرنا أنت … عناك الإلهُ في القرآن

حيث لو قيل عددّوهم عددنا … ك ونعيا عن أن نجيء بثاني

هو جمعٌ اُريد بالذكر منه … واحدٌ وهو أنت عند البيان

فرِّغ القلب من جوى الثكل يا من … هو في الفضل ملءُ عين الزمان