أحببْ بهنَّ معاهداً وَ معانا – محمود سامي البارودي

أحببْ بهنَّ معاهداً وَ معانا … كَانَتْ مَنَازِلُنَا بِهَا أَحْيَانَا

دِمَنٌ عَفَتْ بَعْدَ الأَنِيسِ، فَأَصْبَحَتْ … للجازئاتِ منَ الظباءِ مكانا

وَ لقدْ نرى فيها ملاعبَ لمْ تزلْ … تشجى الفؤادَ ، وَ لا نرى إنسانا

عرفتْ بها الجردُ العتاقُ مجالها … فَغَدَتْ تُحَمْحِمُ رِقَّة ً وَحَنَانَا

بتنا بها متساندينَ على الثرى … نَصِفُ الْكَلاَلَ، وَنَذْكُرُ الإِخْوَانَا

أيامَ لا يردُ الجمامَ لعزها … أَحَدٌ، وَلاَ يَرْعَى الْجَمِيمَ سِوَانَا

في مَعْشَرٍ رَسَخَتْ حَصَاة ُ حُلُومِهِمْ … أدباً ، وَ خفوا للوغى فرسانا

قرنوا الشجاعة َ بالسماحة ِ ، فاغتدوا … قَيْدَ الْمَحَامِدِ شِدَّة ً وَلِيَانَا

طَلَعُوا عَلَى الزَّمَنِ الْبَهِيمِ، فَأَثْقَبُوا … نارَ الفضائلِ حجة ً وَ بيانا

منْ كلَّ مشبوبٍ تخالُ لسانهُ … عِنْدَ التَّخَاصُمِ فِي النَّدِيِّ سِنَانَا

إنْ قالَ برَّ ، وَ إنْ أتاهُ مطردٌ … آوى ، وَ إنْ سئلَ الكرامة َ لانا

أنا منهمُ ، وَ العودُ يتبعُ أصلهُ … وَابْنُ الْهَجِينَة ِ لاَ يَكُونُ هِجَانَا

فاكوِ الحسودَ بناظريهِ ، وَ قلْ لهُ : … إنْ كنتَ تجهلنا فكيفَ ترانا ؟

إِنَّا إِذَا مَا الْحَرْبُ شَبَّ سَعِيرُهَا … نحمى النزيلَ ، وَ نمنعُ الجيرانا

وَنَرُدُّ عَادِيَة َ الْخَمِيسِ بِأَنْفُسٍ … عَلِمَتْ بِأَنَّ مِنَ الْحَيَاة ِ هَوَانَا

فَتَرَى عِتَاقَ الْخَيْلِ حَوْلَ بُيُوتِنَا … قُبَّ الْبُطُونِ، تُنَازِعُ الأَرْسَانَا

مشقَ الطرادُ لحومهنَّ ، فلمْ يدعْ … إِلاَّ خَوَاصِرَ كَالْقِسِيِّ مِتَانَا

منْ كلَّ منتصبٍ على َ أقيادهِ … متطلعٌ يتنظرُ الحدثانا

بَذَخَتْ قَوَائِمُهُ، وَأَقْبَلَ مَتْنُهُ … وَانْضَمَّ كَلْكَلُهُ، وَطَالَ عِنَانَا

فإذا علا حزناً أطارَ شرارهُ … وَإِذَا أَتَى سَهْلاً أَطَارَ دُخَانَا

وَ الخيلُ أكرمُ صاحبٍ يومَ الوغى … وَ السلمِ ، تبعثُ غارة ً وَ رهانا

فعلى بطونِ خيارها أرزاقنا … وَ على َ ظهورِ جيادها مغدانا

هَذَا الْفَخَارُ، فَدُرْ بِعَيْنِكَ حَيْثُمَا … دارَ الزمانُ ، فلنْ ترى نقصانا

كلمات: بدر بن عبدالمحسن

ألحان: سراج عمر