هَل فى الخلاعة ِ والصِبا من باسِ – محمود سامي البارودي
هَل فى الخلاعة ِ والصِبا من باسِ … بيْنَ الْخَلِيجِ وَروْضَة ِ الْمِقْيَاسِ؟
أرضٌ كساها النيلُ مِن إبداعهِ … وَلِباسِهِ الْمَوْشِيِّ أَيَّ لِباسِ
فَكَأَنَّمَا هَوَتِ الْمَجَرَّة ُ بَيْنَهَا … فتشكلت فى جُملة ِ الأغراسِ
يَتَلَهَّبُ النُّوَّارُ في أَطْرَافِها … فَتَخَالُهُ قَبَساً مِنَ الأَقْبَاسِ
لَوْلاَ مِسَاسُ الطَّلِّ أَحْرَقَ ضَوْؤُهُ … ديلَ الخمائلِ : رَطبِها والعاسى
تَصْبُو الْعُيُونُ إِلَى سَنَاهُ، فَتَرْتَمِي … مَهوى الفراشة ِ لامِعُ النبراسِ
نَو شامَ بَهجتها وحُسنَ رُوائها … فيما أظنُّ لحارَ عقلُ إياسِ
مَلْهَى أَخِي طَرَبٍ، وَمَلْعَبُ صَبْوَة ٍ … وَثَرَى بُلَهْنِيَة ٍ، وَدَارُ أُناسِ
مَا كُنْتُ في عُمْرِي لأَغْدُوَ نَحْوهَا … حَتى أَبِيتَ بِها صَرِيعَ الْكَاِس
يا ساقى ّ ، تنَبّها ، فَلَقَدْ بَدَا … فَلَقُ الصَّبَاحِ، وَلاَتَ حِينَ نُعَاسِ
طُوفَا عَلَيَّ بِها، فَقَدْ نَمَّ الصَّبَا … أَثْنَاءَ رَوْحَتِهِ بِسِرِّ الآسِ
مِنْ خَمْرَة ٍ أَفْنَى الزَّمَانُ شَبَابَهَا … فِى مُخْدَعٍ بِقَرَارَة الدّيمَاس
حُبِسَتْ عَنِ الأَبْصَارِ، حَتَّى إِنَّهَا … لَمْ تَدْرِ غَيْرَ الدّيْرِ والشّماس
يَنْزُو لِوَقْعِ الْمَاءِ دُرُّ حَبَابِها … نَزْوَ المَعَابِلِ طِرنَ عَنْ أَقواس
فَإِذَا تَعَاوَرَهَا الْمِزَاجُ تَوَجَّسَتْ … حَذَرَ الْمَهَانَة ِ أَيَّمَا إِيجاسِ
تشْتفُّ من تحْتِ الحبَاب ، كَأنّها … ياقُوتَة ٌ قَدْ رُصِّعَتْ بِالْمَاسِ
مَا حُل بَينَ القَوم عَقْدُ وِكائها … لِلشرْب إِلاَّ آدبت بِعُطاسِ
لاَ يَخْدَعَنَّكَ في الْمُدَامَة ِ جَاهِلٌ … إِنَّ الْمُدَامَة َ نُهْزَة ُ الأَكْيَاسِ
إِنَّ الْمُدَامَ أَسَاسُ كُلِّ طَرِيفَة ٍ … فاجْعَلْ بِناءَ اللَّهْوِ فَوْقَ أَساسِ
لاَ تجمَعُ الأَيامُ كيْفَ تَصَرَّفتْ … فى القَلب بَينَ الخَمْرِ والوَسواس
فَاسْتَوْثِقَا أَخَوَيَّ مِنْ شَأَنَيْكُمَا … وَذَرَا الْمَطِيَّ تَمُورُ بِالإِحْلاَسِ
إِنَّ الْفَلاَة َ لَهَا رِجَالٌ غَيْرُنَا … يبغونَ نيلَ اليُسرِ بالإفلاسِ
إنَّ الغنى والفَقرَ فى هَذا الورى … لمُقَدَّرٌ ، واللهُ ذو قِسطاسِ
فَعلامَ يُبلى المرءُ جدَّة عُمرهِ … مُتَقَلِّباً بَيْنَ الرَّجَا وَالْيَاسِ؟
أَوَ لَيْسَ أَنَّ الْعَيْشَ لُبْسُ عَبَاءَة ٍ … وَسِدَادُ مَسْغَبَة ٍ، وَنَغْبَة ُ حَاسِي؟
تاللهِ لو علِمَ الرِجالُ بِمكرِها … عِلمى لباعوها بِغيرِ مِكاسِ
هِيَ سَاعَة ٌ تَمْضِي، وَتَأْتِي سَاعَة ٌ … والدَّهْرُ ذُو غِيَرٍ بِهَذَا النَّاسِ
فَخُذَا مِنَ الأَيَّامِ مَا سَمَحَتْ بِهِ … لِلنَفْسِ قَبْلَ تَعَذُّرٍ وَشِماسِ
وَإِذَا أَرَابَكُمَا الزَّمَانُ بِوَحْشَة ٍ … فاستمخِضاهُ اليُسرَ بالإيناسِ
إنَّ الروائمَ لا تدرُّ لَبونُها … إلاَّ بلينِ المسحِ والإبساسِ
فَلَرُبَّ صَعْبٍ عَادَ سَهْلاً بَعْدَمَا … قُطِعَتْ عَلَيْهِ مَرَائِرُ الأَنْفَاسِ
ما كُلُّ ما طلبَ الفتى هوَ مُدرَكٌ … إِنَّ الأُمُورَ بِحِكْمَة ٍ وَقِياسِ