نَأْسَى إِذَا وَدَّعَتْنَا الشَّمْسُ فِي الطَّفَلِ – خليل مطران
نَأْسَى إِذَا وَدَّعَتْنَا الشَّمْسُ فِي الطَّفَلِ … فَكَيْفَ مَنْ لاَ نُلاَقِيهِ إِلى الأَزَلِ
تَطْوِي بِنَا الْعَيْشَ أَفْرَاسٌ بِلاَ حَكَمٍ … وَلاَ نُخَيَّرُ فِي الأَوقَاتِ وَالنَّقَلِ
أَلأَمرُ لِلهِ فِي الدُّنْيَا وَغَايَتِهَا … أَكُنْتَ مُمْتَثِلاً أَمْ غَيْرَ مُمتَثِلِ
عَلامَ يَأْسُكَ وَالأيَّامُ دَائِلَةٌ … أَخَالِدٌ أَنْتَ أَمْ بَاقٍ إِلَى أَجَلِ
أَخٌ لَنَا كَانَ سَمْحَ الْقَلْبِ وَافِيَهُ … طَلْقَ اللِّسانِ سَلِيلَ الْوُدِّ مِنْ عِلَلِ
نُسَائِلُ اليَوْمَ عَنْهُ فِي مَعَاهِدِهِ … فَلاَ نُصَادِفُ إِلاَّ خَيْبَةَ الأَمَلِ
أَيْنَ الفُكَاهَةُ فِي فَنٍّ وَفِي أَدَبٍ … أَيْنَ الخُصُومَاتُ وَالتَّقْلِيبُ فِي الدُّوَلِ
مَضَى الأَدِيبُ الصَّحَافِيُّ الَّذِي عَمَرَتْ … آثَارُهُ الشْرْق بَيْنَ السَّهْلِ وَالْجَبَل
عَفَتْ خَلاَئِقُهُ الغَرَّاءُ وَانْطَفَأَتْ … بِهَا مصَابِيحُ كَانَتْ قُرَّةَ المُقَلِ
سرِيرَةٌ طَهُرَتْ مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ … ونُزِّهَتْ عَنْ مُدَاجَاةٍ وَعَنْ دَخَلِ
وهِمَّةٌ فِي مَضَاءٍ فِي مُثَابَرَةٍ … زَانَتْ عَلَى الدَّهرِ جِيدَ الْعصر منْ عَطَلِ
نَاهِيكَ مِنْ رجُلٍ فَرْدٍ بِهِ اجْتَمَعتْ … كُلُّ الصِّفَاتِ الَّتِي تُرْضِيكَ فِي الرَّجُل
يَسْعَى فَيَدْأَب لا يَثْنِي عَزِيمَتَهُ … عَادً مِن الْخَوْفِ أَو غَاشِ مِنَ المَلَل
مَا كَانَ أَلْيَنَهُ فِي حلِّ مُعْضِلَةٍ … وكَانَ أَصْلَبَهُ فِي الْحَادِثِ الجَلَلِ
وَكَانَ أَبْرَعَهُ وَصْفاً وَأَمْلأَهُ … لِلْعَيْنِ وَالسَّمْعِ إِنْ يَكْتُبْ وَإِنْ يَقُلِ
كَانَّ أَيَّامَهُ دِيباجَةٌ نُسِجَتْ … مِنَ المَفَاخِرِ فِي حَلٍّ وَمُرْتَحَلِ
قَدْ آلَ سامٍ إِلى النُّعمَى وَأَحسبُهُ … يشْكُو القَرارَ بِلاَ كَدٍّ وَلاَ شُغُلِ
تَقَاصرَ العُمْرُ عَنْ أَدْنَى مَطَامِعِهِ … فَيَا أَسًى أَنَّ ذَاكَ العُمْرَ لَمْ يَطُلِ
لَئِنْ بَكَتْ لِنَوَاهُ مِصْرُ مِنْ ثَكَلٍ … مَا حَالُ لُبْنَانَ بيْنَ اليُتْمِ وَالثَّكَلِ
تَبَدَّلَتْ بِمَنَاحَاتٍ بِلاَبِلُهُ … مِنَ الأغَارِيدِ فِي صَفْوٍ وَفِي جَذَلِ
عَلَى فَتًى كَانَ حُرَّ الرَّأْيِ يَعْصِمُهُ … مَا اسْطَاعَ بَحْثاً وَتَمْحِيصاً مِنْ الزَّلَل
وَقَام فِي خِدْمَةِ الأوْطَانِ مُضْطَلِعاً … بِهَا اضْطِلاَعَ فُحُولِ القَوْلِ وَالعَمَلِ
فِي أُخْرَيَاتِ لَيالِيهِ يَجِدُّ بِهَا … سَعْياً كَمَا جَدَّ فِي أَيَّامِهِ الأُوَلِ
أَبَا المُرُوءَاتِ يُسْدِيَهَا وَلَيْسَ بِهَا … يُرَى التَّبايُنُ فِي الأجْنَاسِ وَالمِلَلِ
تِلْكَ الصَّلاَتُ الَّتِي مَا زِلْتَ تَبْذُلُهَا … لِكُلِّ مُنْقَطِعٍ أَوْ كُلِّ مُتَصِلِ
دَيْنٌ ستَرْبُو عَلَى الذِّكْرَى فَوَائِدُهُ … بِمَا ضَرَبْت بِهِ لِلنَّاسِ مِنْ مَثَلِ
فَاذْهَبْ عَلَيْكَ سَلاَمُ اللهِ مُنْتَقِلاً … جِسْماً وَرَسْمُكَ حَيٌّ غَيْرُ مُنْتَقِلِ
آلَ القُصَيْريِّ إِنْ قُلْتُ الْعزَاءُ لَكُمْ … فَإِنَّهُ لِلرِّفَاقِ الجَازِعِين وَلِي
لَقَدْ بَكَيْنَاهُ وَالْعَلْيَاءُ مُسْعِدَةٌ … مُشَيِّعِيهِ بِدَمْعِ العَارِضِ الهَطِلِ