لَكَ يَا وَلِيدُ تَحِيَّةُ الأَحْرَارِ – خليل مطران
لَكَ يَا وَلِيدُ تَحِيَّةُ الأَحْرَارِ … كَتحِيَّةِ الجَنَّاتِ وَالأَطْيَارِ
أَقْبَلْتَ وَجْهُكَ بِالطَّهَارَة أَبْلَجُ … وَالوَقْتُ طلْقٌ والرَّبِيعُ مُدَبَّجُ
آيَاتُ حُسنٍ لَمْ يَكُنْ مَظَاهِرَاً … لِلسَّعْد فِيكَ وَلا ضُرِبْنَ بَشَائِرَا
لَوْ كَانَ بَيْتُ إِمَارَةٍ لَكَ مَنْبِتَاً … لأَجَلَّتِ الدُّنْيَا وِلادَكَ مِنْ فَتَى
وَلَقال رَاجٍ أَنْ يُثَابَ بِمَا افْتَرَى … تِلْكَ العَلائِمُ فِي السَّمَاءِ وَفي الثَّرَى
لكِنْ وُلِدْتَ كمَا أُتِيح وَمَا دَرَى … أَحَدُ الأَنَامِ لأَيِّ أَمْرٍ قُدِّرَا
سِرٌّ وَكُلُّ ابْنٍ لأُنْثَى يُولدُ … سِرٌّ لِهَذَا النَّاسِ يَكْشِفُهُ الغَدُ
عَنْ سَائِمٍ بَيْنَ الرَّعِيَّةِ ضَائِعِ … أَوْ كوْكبٍ مَاحِي الكوَاكِبِ سَاطعِ
مَا حِكْمَةُ الرَّحْمَنِ فِيكَ أَتَنْجَلي … عَنْ آخِرٍ فِي القومِ أَمْ عَنْ أَوَّلِ
فَلَئِنْ سَمَوْتَ إِلى مَقَامِ إِمَارَةٍ … يَوْماً فَعِيسَى كانَ طِفْلَ مَغَارةٍ
وَأَحَقُّ مَا حَقَّ العَلاءُ لِنَائِلٍ … مَا نِلْتَهُ مِنْ هِمَّةِ وَفَضَائِلِ
مَا لِي وَمَا لأَبِيكَ أُطْرِئُهُ فَمَا … هِي شِيمَتِي وَأَبُوكَ لا يَعْنِيه مَا
وَهُوَ السَّعِيدُ بِأَنْ أُمَّكَ أَهْلُهُ … أَلمُزْدَهِي عَجْباً بِأَنَّك نجْلُهُ
فَسُرُورُ كلِّ مُهَنإٍ بِكَ لَمْ يَكنْ … إِلاَّ بِذاتِكَ إِنْ تعِزَّ وَإِنْ تَهُنْ
يرْجُون أَنْ تحْيا وإِنْ لَمْ تَنْبُغِ … لا يَبْتَغُونَ لكَ الَّذي قَدْ تَبْتَغِي
أُمْنِيَة الآبَاءِ لا يعْدُونهَا … وَهْي الَّتِي لِلطِّفْلِ يَسْتَهُدْونَهَا
وَسِوَى الحَيَاةِ مِنَ المُنَى يَدْعُونَهُ … لِلّه يَقْضِي فِي الوَليِد شُؤُونَهُ
فهُوَ الَّذي يُعْلِي العَلِيَّ القَادِرَا … وَهُو الذي يَضَعُ الوَضِيعَ الصاغِرَا
إِنْ شَاءَ جَاءَ الطِّفْلُ فِي مِيقَاتهِ … فَشَأَى بَنِي أَوْطَانهِ وَلِداتهِ
أَوْ شَاءَ خالَفَ وَقْتَهُ فَذُكَاؤُهُ … كَلَظَى الحرِيقِ شُبُوبُهُ وَضِيَاؤُهُ
ولَقَدْ شَفَى مِنَّا قُدُومُكَ حَسْرَةً … وَأَقَرَّ أَعْيُنَ وَالِدَيْكَ مَسَرَّةً
حَيثُ الرِّيَاضُ تَظَاهَرَت بَهَجَاتُهَا … فتَفتَّقَتْ مَسْرُورَةً مُهَجَاتُهَا
فَجَمِيعُكُمْ مُتَهَلِّلٌ فِي كِمِّهِ … مُتَنَاوِلٌ أَلْبَانَهُ مِنْ أُمِّه
أَلأُم تغْذُو طِفْلَهَا مِنْ ضِرْعِهَا … وَالأَرْضُ تَغْدُو أُمَّهُ مِنْ زَرْعِهَا
فَعَلامَ مِنْ دُونِ الأَزَاهِرِ أُتْهِمَا … أَبَوَاكَ يَا هَذَا الصَّبِيُّ وَإنْ هُمَا
أَيُّ القُسُوسِ أَتَى النَّباتَ فَزَوَّجَا … بَعْضاً بِبَعْضٍ مِنْهُ كَيْما يُنْتِجَا
هَلْ سَاجِعُ الأَيْكَاتِ حِينَ يُغَرِّدُ … فِي ذَلِكَ الرِّيشِ المُلَوَّنِ سَيِّدُ
وَهَلِ الرِّياحُ يَعِيبُهَا أَنْ تَحْمِلا … نَسَمَ الهَوى الدَّوْرِيَّ مِنْ ذكَرٍ إِلى
وَمَن الذي يَرْمِي السَّوَابِحَ بِالخَنَا … وَيَرَى مُنَاسَلَةَ السِّبَاعِ مِنَ الزِّنا
هُنَّ اسْتَبَحْنَ إنَاثَهُنَّ بِلا نُهَى … وَالمَرءُ فرَّقَ بِاخْتِيَارِ بَيْنهَا
سَنَّ العَفافَ كمَا ارْتآهُ فضِيلةً … وَدَعَا الخلافَ نقِيصةً وَرَذِيلةَ
ناطَ الزَّوَاجَ بِصِيغةٍ تتعَدَّدُ … أَشْكالُهَا عَددَ الطَّوَائفِ يُقْصَدُ
فإِذا اصْطفى ما شاءَ مِن أَعْرَاضِهَا … وَجَرَى عَلى المَرْعِيِّ مِن أَغرَاضِهَا
قالُوا أَتَى نُكْراً وَنُكْرٌ قَوْلُهُمْ … لَوْلا تَبَجُّحُهُمْ وَلوْلا طَوْلُهَا
دَفَعَ ادِّعَاءَهُمُ وَأَبْطَلَ زعْمَهُمْ … زمَنٌ طوَى تَحْتَ الغَبَاوَةِ ظُلْمَهُمْ
يَا طِفْلُ قَلِّبْ طَرْفكَ المُترَدِّدَا … أَوَ مَا تَرَى شَبَحاً عبُوساً أَسْوَدَا
هَذَا أَسَاءَ إِلَيْكَ قَبْلَ المَوْلدِ … وَجنَى عَلَيْكَ جِنَايَةَ المُتَعَمِّدِ
زعَمَ الإِلهَ يُريدُ مِثْلَكَ مُذْنِباً … مِنْ يَوْمهِ وَمُعَاقَباً وَمُعَذَّبَاً
تَاللّه إِنْ تَنظُرْهُ نَظْرَةَ مُغْضَبِ … تُرْهِقْهُ إِرْهَاقَ الشِّهَابِ لِغَيْهَبِ
لَكِنْ أَرَاك تَبَشُّ بَشَّةَ سَامِحِ … وَأَرَاكَ تَرْمُقُهُ بِعَيْنِ الصَّافحِ
رُسْلَ المَسِيحِ الشَّارِبِينَ دِمَاءَهُ … الآكِلِينَ بِلا تُقىً أَحْشَاءَهُ
أَفذَبْحُكُمْ ذَاكَ الذبِيحَ لِفِدْيَةٍ … أَمْ تِلْكَ مَأْسَاةٌ تُعَادُ لِكُدْيَةٍ
مَا أَجْمَلَ الصُّلاَّحَ مِنْكُمْ خَلَّةً … مَا أَبْشَعَ الظُّلاَّمَ مِنْكُمْ فِعْلةً
اللّه أَوْحَى فِكْرَةً هِيَ دِينُهُ … فَمَنِ اهْتَدَى هِيَ نُورُهُ وَيَقِينُهُ
نَزَلَتْ عَلى الفَادِي الأَمِينِ الشَّافعِ … كَلِماً ثَلاثاً تَحْتَ لَفْظٍ جَامعِ
أَلحُبُّ فِي المَعْنَى العَمِيمِ الكَامِلِ … مَعْنَى المَرَاحِمِ وَالفِدَاءِ الشامِلِ
وَالعَدْلُ يَقْضِي بِالخَرَاجِ لِقَيْصَرَا … وَالصَّفْحُ عَنْ كُلٍ يُسِيءُ مِنَ الوَرَى
أَلْقَى مَبَادِئَهَا وَكُلاًّ خَوَّلا … تَعْلِيمَهَا وَنفَى الرِّئَاسَةَ والْعُلى
وَأَرَادَكُمْ لِتُعَلِّمُوا وتُبَشِّرُوا … وَأَرَادَكُمْ لِتُسَامِحُوا وَلِتَغْفِرُوا
فَنَذَرْتُمُ لِلّه بَطْناً مُشْبِعَاً … وَيَداً إِذَا مُدَّتْ فَكيما تَجْمَعا
وَزَهِدْتُمُ فِي غَيْرِ مَا ترْضَونَهُ … وَرغِبْتُمُ عَنْ كُلِّ ما تأْبوْنَهُ
وَقسَمْتُمُ دِينَ المَسيحِ مَذَاهِبَاً … تَسْتَكْثِرُونَ مَرَاتِباً وَمَنَاصِباً
وَمَضيْتُمُ فِي الغَيِّ حَتى نِلْتم … فِي بَعْضِ وَهْمِكُمُ الجَنِينَ وَقُلْتُمُ
فَلئِنْ يَكنْ فِي الخَلْقِ خَلْقٌ طَاهِرُ … فَالطِّفلُ تِمْثَالُ العَفَافِ الظَّاهِرُ
أَفَمَا كفى ذَاكَ الرَّهِينةُ لِلرَّدَى … مَا سَوْفَ يَلْقَاهُ مِنَ الدُّنْيَا غَدَا
يَا مَنْ عَرَفْتُ وَكَانَ قَسّاً صَالِحاً … عَدْلاً كَمَا يَرْضى المَسِيحُ مُسَامِحَاً
مُتَجرِّداً عَنْ عِزِّهِ وَشَبَابِهِ … وَهَنَاءِ عِيشَتهِ وَلَهْوِ صِحَابِهِ
يَهْدي الأَنَامَ بِقَوْلهِ وَبِفِعْلهِ … مُسْتَرْشِداً فِي الرَّيْبِ حِكْمَةَ عَقْلهِ
مُتَجَنِّبَ التَّحْرِيمِ فِيهِ حَيْثُمَا … تَنْبُو قُوَى الإِدْرَاكِ عَنْهُ فربَّمَا
مُتَوَفِّراً لِلخَيْرِ جُهْدَ نَشَاطِهِ … يَفْنَى وَلا يُفْنِي قُوَى اسْتِبْاَطِهِ
مُتَرَدِّياً مِسْحاً كَثِيفاً شَائِكَاً … مُخْشَوْشِناً يَجِدُ اللَّذَاذةَ فَارِكا
قُمْ مِنْ ضَرِيحِكَ بِالبِلى مُتَلَفِّفَا … وَاخْزِ الطُّغَاةَ المُفْسِدينَ وَقُلْ كَفى
لا تَنْقُضُوا بَيْتاً لَدَى تَكْوِينهِ … وَحَذَارِ مِنْ يُتْمِ الصَّغِيرِ بِدينهِ
هَذي المَذاهِبُ كُلهَا دِينُ الْهُدَى … كَأَشِعَّةِ الشَّمْسِ افْتَرَقْنَ إِلى مَدَى
يا طِفْلُ إِنَّكَ لِلفَضِيلَة مَعْبَدُ … فَلَدَيْكَ أَرْكَعُ بِالضَّمِيرِ وَأَسْجُدُ
أَجْثُو وَأَرْجُو ضَارِعاً مُتَخَشِّعَاً … مِنْكَ ابْتِسَاماً أَجْتَلِيهِ لِيُقْشِعا
فَلَقَدْ صفَحْتَ تَكَرُّهاً وَتَطوُّلاً … عَمَّنْ أَبَوْا إِلاَّ الأَذَى لَكَ وَالقِلى