قلبي بذكركَ مسرورٌ ومحزونُ – محيي الدين بن عربي
قلبي بذكركَ مسرورٌ ومحزونُ … لمَّا تملكهُ لمحٌ وتلوينُ
فلوْ رقتْ في سماءِ الكشفِ همتهُ … لما تملكهُ وجدٌ وتكوينُ
لكنه حادَ عن قصدِ السبيلِ فلمْ … يظفَرْ به فهو بين الخلْقِ مِسكين
حتى دعته من الأشواق داعية ٌ … همتْ لها نحوَ قلبي سحبهُ الجونُ
وأبرقتْ في نواحي الجوِّ بارقة ٌ … أضحى بها وهو مغبوطٌ ومفتون
والسحبُ سارية ٌ والريح ذارية … والبرقُ مختطفٌ والماءُ مسنونُ
وأخرجتُ كلَّ ما تحويهِ من حبسٍ … أرضُ الجسومِ وفاح الهندُ والصين
فما ترى فوق أرضِ الجسمِ مرقبة … إلا وفيها من النُّوّارِ تزيين
وكلما لاح في الأجسام من بدعٍ … وفي السرائر معلومٌ وموزونُ
والقلبُ يلتذُّ في تقليبِ مشهدهِ … بكلِّ وجهٍ من التزيينِ ضنينُ
والجسمُ فلكٌ ببحرِ الجودِ يزعجهُ … ريحٌ من الغربِ بالأسرارِ مشحونُ
وراكبُ الفلكِ ما دامتْ تسيرهُ … ريحُ الشريعة محفوظٌ وممنون
ألقى الرئيسُ إلى التوحيدِ مقدمهُ … وفيهِ للملإ العلوي تأمينُ
فلو تراه وريحُ الشوقِ تزعجُه … يجري وما فيه تحريكٌ وتسكينُ
إن العناصر في الإنسانِ مُودَعة … نارٌ ونورٌ وطينٌ فيه مَسْنونُ
فأودعِ الوصلَ ما بيني على كثبٍ … وبينَ ربي مفروضٌ ومسنونُ
فالسرُّ باللهِ منْ خلقي ومنْ خلقي … إذا تحققتَ موصولٌ وممنونُ
يقولُ إني قلبُ الحقِّ فاعتبروا … فإنّ قلبَ كتابِ اللهِ ياسينُ
من بعدِ ما قد أتى من قبل نفحته … عليّ من دهره في نشأتي حين
لا يعرفُ الملكُ المعصومُ ما سببي … ولا اللعين الذي ينكيه تنيّن
لما تسترت عن صَلصال مملكتي … أخفانِ عن علمه في عينه الطين
فكانَ بحجبهُ عني وعنْ صفتي … غيمُ العمى وأنا في الغيب مخزونُ
فعندما قمتُ فيهِ صارَ مفتخراً … يمشي الهوينا وفي أعطافه لِينُ
لما سرى القلبُ للأعلى وجاز على … عدْنٍ وغازلنه حُوْرٌ بها عِينُ
غضِّ الجفونَ ولم يثنِ العنان لها … لما مضى عن هواه القرضُ والدَّينُ
فعندما قامَ فوقَ العرشِ بايعهُ … اللوحُ والقلمُ والعلاَّمُ والنُّونُ
فلو تراه وقد أخفى حقيقتَه … له فويقَ استواءٍ الحقّ تمكينُ
فإن تجلى على كونٍ بحكمته … لهُ علا ظهرَ ذاكَ الكونِ تعيينُ
فلا يزالُ لمرحِ الملقياتِ بهِ … يقولُ للكائناتِ في الورى كونوا
فكلُّ قلبٍ سها عن سرِّ حكمته … في كلِّ كونٍ فذاكَ القلبُ مغبونُ
فاعلمْ بأنكَ لا تدري الإلهَ إذا … مالمْ يكنْ فيكَ يرموكَ وصفينُ
فاعرف إلهك من قبل الممات فإن … تمت فأنت على التقليد مسجونُ
وإن تجليت في شرقي مشهده … علماً تنزه فيكَ العالُ والدونُ
ولاح في كلِّ ما يخفى ويظهره … منَ التكاليفِ تقبيحٌ وتحسينُ
فافهم فديتُكَ سرَّ الله فيك ولا … تظهرْه فهو عن الأغيار مكنونُ
وغر عليه وصُنه ما حييتَ به … فالسرُّ ميتٌ بقلبِ الحرِّ مدفونُ