عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ – مصطفى صادق الرافعي
عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ … فمنْ لي بها عصفورةٌ لقطتْ قلبي
وطارتْ فلما خافتِ العينُ فوتها … أزالتْ لها حباً من اللؤلؤ الرطبِ
فيا ليتني طيرٌ أجاور عشها … فيوحشُها بعدي ويؤنسُها قربي
ويا ليتها قد عششتْ في جوانبي … تغردُ في جنبٍ وتمرحُ في جنبِ
ألا يا عصافيرَ الربا قد عشقتُها … فهبي أعلمكِ الهوى والبكا هبي
أعلمكِ النوحَ الذي لو سمعتِهِ … رثيتِ لأهلِ الحب من شغفِ الحبِ
خذي في جناحيكِ الهوى من جوانحي … وروحي بروحي للتي أخذتْ لبي
نظرتُ إليها نظرةً فتوجعتْ … وثنيتُ بالأخرى فدارتْ رحى الحربِ
فمن لحظةٍ يرمى بها حدَ لحظهِ … كما التحمَ السيفانِ عضباً على عضبِ
ومن نظرةٍ ترتدُ من وجهِ نظرةٍ … كما انفلبَ الرمحانِ كعباً إلى كعبِ
فساقتْ لعيني عينها أي أسهمٍ … قذفنَ بقلبي كلَّ هولٍ من الرعبِ
وساق لسمعي صدرها كلَّ زفرةٍ … أقرت بصدري كلّ شيءٍ من الكربِ
ودارت بي الألحاظُ من كل جانبٍ … فمنهنَّ في سلبي ومنهنَّ في نهبي
فقلتُ خدعنا إنها الحربُ خدعةً … وهون خطبي أن أسر الهوى خطبي
فقالت إذا لم تنجُ نفسٌ من الردى … فحسبكَ أن تهوى فقلتُ لها حسبي
وليَ العذرُ إما لامني فيكِ لائمٌ … فأكبرُ ذنبي أن حبكِ من ذنبي
ويا منْ سمعتمْ بالهوى إنما الهوى … دمٌ ودمُ هذاكَ يصبو وذا يصبي
متى ائتلفا ذلاً ودلاً تعاشقا … وإلا فما رونقِ الحسنِ ما يسبي
سلوني انبئكمْ فما يدر ما الهوى … سوايَ ولا في الناسِ مثلي من صبِ
إذا شعراءُ الصيدِ عدوا فإنني … لشاعرُ هذا الحسنِ في العُجْمِ والعُرْبِ
وإن أنا ناجيتُ القلوبَ تمايلتْ … بها نسماتُ الشعرِ قلباً على قلبِ
وبي من إذا شاءتْ وصفتُ جمالها … فواللهِ ما يبقى فؤادٌ بلا حبِّ
من الغيدِ أما دلُّها فملاحةٌ … وأما عذابي فهو من ريقها العذبِ
ولم يبقِ منها عُجبُها غيرَ خطرةٍ … ولا هي أبقتْ للحسانِ من العجبِ
عرضتُ لها بينَ التذلّلِ والرضا … وقد وقفتْ بينَ التدللِ والعتبِ
وأبصرتُ أمثالَ الدمى يكتنفنني … فقلتُ أهذي الشهبُ أم شبهُ الشهبِ
فما زالَ يهدي ناظري نورَ وجهِها … كما نظرَ الملاحُ في نجمةِ القطبِ
وقد رُحنَ أسراباً وخفتُ وشاتَها … فعيني في سربٍ وقلبي في سربِ
وقالتْ تجلّد قلتُ يا ميُّ سائلي … عن الحزنِ يعقوباً ويوسفَ في الجبِ
وما إن أرى الأحبابَ إلا ودائعاً … ترد فإما بالرضاءِ أو الغصبِ