رعتْ بينَ حاجرَ والنِّعفِ شهرا – مهيار الديلمي
رعتْ بينَ حاجرَ والنِّعفِ شهرا … جميما وعبَّتْ شآبيبَ غزرا
مراحاً محلَّلة ً عُقلها … ترى الخصبَ أوسعَ منْ أنْ تجرََّّا
مكرمة ٌ عنْ عصيِّ الرُّعاة ِ … فإنْ كانَ لا بدَّ ردعٌ فزجرا
ولا ظعنٌ ثمَّ مرحولة ٌ … تجرُّ الجنوبَ ولا ضيفَ يقرى
إلى أنْ غدا الهضبة َ ابن اللَّبو … نِ فيما ترى العينُ والنَّابُ قصرا
فكانَ على ذاكَ شمُّ السَّفا … ولسُّ الهشيمِ وإنْ كانَ مرَّا
وماءٍ تعرمضُ أوشالهُ … ببابلَ أشهى إليها وأمرا
بلادٌ منابتُ أوبارها … عليها ربت يومَ تنزى وتذرى
وأفلاؤها ومساقيطها … تقامصُ فيها قلوصا وبكرا
وتُحمى بأرماحِ فرسانها … إذا شلَّتْ الإبلُ طرداً وطرُّا
وفيها الكواعبُ والمحصَّنا … تُ منْ مقتنيها عواناً وبكرا
نجومُ قبيلٍ إذا ما طلعنَ … أغرنَ النُّجومَ وإن كنَّ زهرا
وكلُّ ثقيلة ِ حملِ الأزارِ … خفيفة ِ ما ضمَّ عنقا وخصرا
ترى الغصنَ تحسبهُ في النَّسيمِ … أخاها وإن كسيتْ يومَ يعرى
أمنها وإنْ نامَ ليلُ الوشاة … وعادَ المواقدُ في اللَّيلِ حمرا
ومرّ يصوِّبُ سرحُ النُّجومِ … خيالٌ ألمَّ ولا حينَ مسرى
ألمَّ بمعتنقٍ ساعديهِ … يطارحُ منها الأمانيَّ ذكرا
فما رابهُ منْ صعيدِ الغوي … رِ إلاَّ تحوَّلهُ اللَّيلُ عطرا
ولمَّا أضاءَ الَّذي حولهُ … تطلَّعَ يحسبُ ظمياءَ بدرا
فللهِ بابلُ نفَّاثة ٌ … وإنْ ضرَّتْ الحلمَ سحرا وخمرا
على أنَّها منزلٌ لا يكا … دُ يحملُ في غالبِ الأمرِ حرَّا
ومزلقة ٌ بالفتى لا تكونُ … لذي حاجة ٍ وابنِ فضلٍ مقرَّا
إلى كمْ أطامنُ عنقي بها … خمولا وأعركُ جنبيَّ فقرا
وأتبعُ إلفى وحزمي يقولُ … وراءكَ في غيرِ ذا المصرِ مصرا
كفى النَّاسُ لؤماً بمثلي يضي … عُ فيهمْ ويطابُ منهمْ مفرَّا
فلمْ يغرزْ الدَّهرُ حملاً عل … ى َ مالكَ أبعدكَ اللهُ دهرا
أمنْ أجلِ أنِّي بفضلي وسع … تُ أهلكَ توسعني منكَ شرَّا
وما زلتُ أحفلُ بالغدرِ منكَ … وأنكرُ جوركَ حتى أستمرَّا
ولو قدْ وفتْ لعميدِ الكفا … ة ِ أيامهُ لمْ أنلْ منكَ غدرا
إذنْ لوقتني حصداءُ منهُ … تطيرُ سهامكَ ثلماً وكسرا
وكنتُ أعزُّ حمى ً أنْ أضامَ … وأمنعَ في حرمِ الأمنِ ظهرا
وردَّكَ عني ولا الطودُ فلَّ … بكفيكَّ مني ولا اللَّيثُ فرّى
عوائدُ ما أسلفتني يداهُ … على نائباتكَ غوثا ونصرا
لئنْ كنتَ أسحلتَ في كفّهِ … من العهدِ حبلاً فتيلاً ممرَّا
وأصبحتَ تنهدُ بغياً إليهِ … بشهباءَ بيَّتَّها أمسِ مكرا
فلمْ تنحِ إلاَّ على المكرماتِ … ولا هضَّتَ إلاَّ السَّماحَ المبرَّا
لغادرَ جهلكَ قلبَ العلا … خفوقاً بها وحشى المجدِ حرّى
ضممتَ عليهِ جناحَ العقوقِ … فرحتَ بها قدْ تأبَّطتَ شرَّا
فسلْ عنهُ كيدكَ يادهرُ كيفَ … ثناكَ ثباتاً وأعياكَ صبرا
وكيفَ حشدتَ لهُ وارتقيتَ … فلمْ تستطعْ طودهُ المشمخرَّا
وفى ناهضا بكَ حتى رددتَ … صروفكَ عنهُ رذايا وحسرى
وما كنتَ والأسدُ الوردُ أنتَ … لتعقَ بالحرِّ نابا وظفرا
ولكنها دولة ٌ أعرضتْ … ودنيا تنقَّلُ مرَّاً ومرَّا
هو الحظُّ يعقلُ من حيثُ جُ … نَّ والمالَ يرجعُ من حيثُ مرَّا
وخيرُ بنيكَ الَّذي إنْ نقص … تَ في حالهِ ازدادَ مجداً وفخرا
وما كنزَ المرءُ خيراً لهُ … من الحمدِ والحسبِ العدِّ ذخرا
إذا سلمَ العرضُ عرضُ الكريمِ … وعزَّ فلا وفَّر اللهُ وفرا
لعلَّ مجعجعها أن يطيلَ … لها في الأرمَّة ِ سحباً وجرَّا
ويتركها وسواءَ الطَّريقِ … تساقُ إلى غايتيها وتجرى
فتأتى ويا قربها من منى ً … يقولُ لها الدَّهرُ صفحاً وغفرا
مبيناً بما قدْ جنى تائبا … إليك بسالفِ ما قدْ أصرَّا
ترى للنَّدامة ِ في صفحتي … هِ سطراً مبيناً وللذُّلِّ سطرا
لعمري لئنْ صوَّحتْ دوحة ٌ … لقدْ أعقبتْ غصناً منكَ نضرا
وسيعَ الظِّلالِ على قومهِ … شهيَّ الجنى ناعماً مسبكرَّا
رباطاً لشملهمُ أنْ يشذَّ … ودعماً لسقفهمُ أنْ يخرَّا
بكَ انتظمَ العقدُ من بعدِ ما … تهاوى فعُطِّلَ جيداً ونحرا
ضممتَ قواصيهمْ بعدما … تعاطوا عصا البينِ صدعا وقسرا
وكنتَ لهمْ كأبيكَ الكريمِ … حنوَّ الرءومِ وعطفاً وبرَّا
فلمْ يهوِ طودٌ وأنتَ الكثيبُ … ولا ماتَ زيدٌ إذا كنتَ عمرا
أطافوا بناديكَ واستحلبوكَ … فأحسنتَ حوطاً وأغزرتَ درَّا
وما ضرَّهمْ أنَّهمْ يعدمو … نَ غيثاً وقدْ وجدوا منكَ أثرى
مخايلُ كنتُ توسَّمتها … قديماً وعيَّفتها فيكَ زجرا
وأيقنَ صدري أنَّي أراكَ … لأهلكَ وجهاً وللنَّاسِ صدرا
بما كنتَ أبعدهمْ همَّة ً … وآمتنهمْ في الملمَّاتِ أسرا
وأضيقهمْ عذرة ً في السؤالِ … وأوسعهمْ ليلة َ القرِّ قدرا
وأجلى إذا الشُّبهاتُ اختلط … نَ رأياً وأمضى لساناً وأجرى
أمورٌ إذا اجتمعتْ للفتى … أرادَ بهِ اللهُ في العزِّ أمرا
سدُ اليومَ ابناءَ عبدِ الرّحيمِ … فأنتَ غداً سيِّدُ النَّاسِ طرَّا
وثقْ ببشائرَ تملى عليَّ … فما كذَّبتْ لي في الخير بشرى
أنا ابنُ الوفاءِ الَّذي تعلمو … نَ لمْ أنوِ نكثاً أو أطوِ غمرا
قسيمكمُ إذا أساءَ الزَّمانُ … كما كانَ قاسمكمْ حينَ سرَّا
حليَّا على عطلِ المهرجا … نِ يعصفنَ تاجا ويرصفنَ شذرا
فإنْ تكُ وقتاً أخلَّتْ بكمْ … فربَّ انقطاعٍ ما كانَ هجرا
ولولا تلاعبُ أيدي النَّوى … بكمْ ما أغبَّتْ ثناءً وشكرا