ذكرى لقاء – بدر شاكر السياب
قد انتصف الليل فاطو الكتاب … عن الريح والشمعة الخابية
فعيناك لا تقرآن السطور … ولكنها العلة الواهية
فأنت ترى مقلتيها هناك … وذكرى من الليلة الماضية
فتطوي على ركبتيك الكتاب … وترنو إلى الأنجم النائية
هنا أنت بين الضياء الضئيل … وبين الدجى في الفضاء الرحيب
وكم من مصابيح تفنى هناك … تنير الثرى والفراغ الرهيب
وتلقي على ذكريات الشتاء … ستاراً من الأدمع الراجفة
فتخبو مصابيحهن البعاد … بطيئاً كما تبرد العاطفة
كما افترقت يوم حان الرحيل … يد صافحتها يد واجفة
كرجع الخطى في الطريق البعيد … كما انحلت الرغبة الخائفة
وتصغي ولا شيء إلا السكون … وإلا خطى الحارس المتعب
وإلا ارتعاش الضياء الضئيل … وخفق الظلال على المكتب
وتنساب مثل الشراع الكئيب … وراء الدجى روحك الشاردة
ترى وجهها كالتماع النجوم … وتطويه عنك اليد الماردة
إلى أن يذوب الضباب الثقيل … وتنهار ألوانه الجامدة
فها أنت ذا تستعيد اللقاء … كما عادت الجثة الباردة
وتمتد يمناك نحو الكتاب … كمن ينشد السلوة الضائعة
فتبكي مع العبقري المريض … وقد خاطب النجمة الساطعة
ويغشى رؤاك الضياء القديم … بطيئاً كما سارت القافلة
ترى الباب مثل انعكاس المغيب … على صفحة الجدول الناحلة
ويغشى رؤاك الضياء القديم … ينير لك الغرفة الآفلة
ويغشى رؤاك الضياء القديم … فيا لانتفاضتك الهائلة
ترى الباب ألقى عليه الأصيل … ظلالاً من الكرمة العارية
فما كان غير اعتناق طويل … عصرنا به القوة الباقية
وأيقنت أن الحياة الحياة … بغير الهوى قصة فاترة
وإني بغير التي ألهبت … خيالي بأنفاسها العاطرة
شريد يشق ازدحام الرجال … وتخنقه الأعين الساخرة