جمَّ لها الوادي وعزَّ الذائدُ – مهيار الديلمي
جمَّ لها الوادي وعزَّ الذائدُ … و طاب ما حدثَ عنها الرائدُ
فخلها راتعة ً مجرورة ً … وراءها الأرسانُ والمقاودُ
يخلفُ ما استسلفَ من جراتها … كهلٌ أثيثٌ ومعينٌ باردُ
حيثُ المغيرُ لا ينالُ فرصة ً … منها ولا يطمعُ فيها الطاردُ
تذبُّ عنها من سماتِ ربها … صوارمٌ ليس لها مغامدُ
إذا بدت في عنقٍ أو حاركٍ … فهي عليها أعينٌ رواصدُ
و نمْ فقد حرمها هذا الحمى … و ضمها وهي دخان شاردُ
و أعجزَ الناسَ جميعا رعيها … فاليومَ يرعاها جميعا واحدُ
أروعُ لا يغلبه المكرُ ولا … تدبُّ في حريمه المكايدُ
أعارها عينا فكانت عوذة ً … لها وشيطانُ الزمان ماردُ
أفرشها كافي الكفاة ِ أمنهُ … فالظلُّ سكبٌ والنسيمُ باردُ
دانَ بتاجِ الحضرة ِ الدهرُ لها … و حلَّ حبلَ الذلَّ عنها العاقدُ
و صدقتْ أن الربيعَ بعدها … بوارقٌ من يده رواعدُ
غاصتْ غصونُ المجد تحتَ مائها … فأورقَ الذاوي وقام المائدُ
و ضحكَ القاطبُ من وجه الثرى … و سالَ وادي المكرماتِ الجامدُ
و بشرَّ الفضلُ بقايا أهلهِ … لا تقنطوا في الناسِ بعدُ ماجدُ
نقل لأبناء الطلاب والمنى … و الحاجِ ضاقتْ بهم المقاصدُ
يتاجرون المجدَ فتخيسُ في … أيديهم البضائعُ الكواسدُ
تضمكم حنوتهُ وأنتمُ … عزونَ في الآفاق أو بدائدُ
زمَّ الأمور فلوى أعناقها … ساعٍ إلى الغايات وهو قاعدُ
و دبرّ الدنيا على علاتها … فصلحتْ والدهرُ دهرٌ فاسدُ
ماضٍ له من عزمه مجردٌ … يذبُّ من جهلِ الزمانِ غامدُ
يرى بوجهِ اليوم صدرَ غدهِ … تعطيه ما في المصدرِ المواردُ
لا يأخذ التدبيرَ إلا من علٍ … فالناسُ ينحطونَ وهو صاعدُ
رأى انتهاءَ مجدهِ مبتدأً … لما أعانَ الكفَّ منه الساعدُ
أسهرهُ حبُّ العلا منفردا … و هو على ظنَّ العيون راقدُ
جدَّ وقارا والزمانُ هازلٌ … و جادَ عفوا والسحابُ جامدُ
و لاحَ في الملك شهابا فوري … زنادهُ والملكُ نجمٌ خامدُ
منتصرا بنفسه لنفسه … كاليث يشري مالهُ مساعدُ
لا يملكُ الحفظُ عليه أمرهُ … و لا تفري حلمه الشدائدُ
ينهضه الكمالُ من اثقالهِ … بأوسقٍ تلفظها الجلامدُ
مدَّ على الدولة ِ من جناحه … ما مدَّ عطفا لبنيه الوالدُ
حتى استقامتْ وهي بلهاءُ الخطا … عمياءُ ما بين يديها قائدُ
كم قدمٍ قبلكَ قد زلتْ بها … ضعفا وكفًّ لم يعطها الساعدُ
و ضابطٍ لم يغنهِ لما طغتْ … أدواؤها التجريبُ والعوائدُ
يحرسها وليس من حماتها … مثلُ الشغا ينقصُ وهو زائدُ
جاءت على الفترة ِ منه آية ٌ … معجزة ٌ قامت بها الشواهدُ
موهبة ٌ فاجئة ٌ لم تحتسبْ … و لم توفهْ بها المواعدُ
كنتَ خبيئا ترقبُ الأيامُ في … إظهارهِ الميقاتَ أو تراصدُ
كالنارِ في الوند تكون شررا … بالأمس وهو اليومَ جمرٌ واقدُ
فأبرزتك للعيونِ كوكبا … يزهرُ لم تجرِ به العوائدُ
يفديك محظوظون وجهُ عجزهم … بغلطِ النعمة فيهم شاهدُ
قد سرق الدهرُ لهم سيادة ً … ليس لها من المساعي عاضدُ
تنافرُ الأقلامُ عن أيمانهم … و تقشعرُّ منهم الوائدُ
لم ينظموت المجدَ كما نظمتهُ … و لا حلتْ عندهم المحامدُ
و لا أعان طارفا من حظهم … مجدُ أبٍ مثلِ أبيك تالدُ
و خيرُ من شاد الفخارَ رافعٌ … أسرتهُ لما بنى قواعدُ
و بعضُ علياءِ الفتى مكاسبٌ … بنفسه وبعضها موالدُ
و ليهنكَ الأمرُ الذي ذلَّ به … لك العزيزُ وأقرّ الجاحدُ
ولانَ في يديك منهُ مرسٌ … ملاوذٌ من رامهُ محايدُ
ينقصُ من قدرك وهو فاضلٌ … على وسيعات الأماني زائدُ
و مشرفاتٌ فضلٌ لبستها … تزلقُ عنها المقلُ الحدائدُ
كلبدة ِ الليثِ سطا وحسنها … كالوشي تكساهُ الدمى الخرائدُ
لو كانت الأفلاكُ أجسادا لما … كان لها من مثلها مجاسدُ
باطنة وظاهر جمالها … فالحسنُ منها غائبٌ وشاهدُ
تسحبها في الأرضِ ولفخرها … معالقٌ في الجوّ أو معاقدُ
و كالسماء عمة ٌ صبغتها … قد جاءها من الزمان وافدُ
مقدودة ٌ منها ومن نجومها … في طرفيها سائرٌ وراكدُ
إن لم تكن تاجاً فقد أكسبها … نورك ما لم يكسَ تاجاً عاقدُ
و ضاربٌ إلى الوجيهِ عرقهُ … بأربع تشقى بها الأوابدُ
من اللواتي نصرتْ آباءها … في السبق أمهاتها الردائدُ
و صبحتها بالصريفِ علباً … قبلَ عيالِ ربها الولائدُ
خاضَ الظلامَ فاهتدى بغرة ٍ … كوكبها لمقلتيه قائدُ
يجاذبُ الريحَ على الأرض ومن … قلائدِ الأفقِ له قلائدُ
حليٌ من التبرِ إذا خفَّ بها … أثقلَ فهو تحتها مجاهدُ
ينصاعُ كالمريخ في التهابهِ … و أنت فوق ظهره عطاردُ
غرائبٌ من الحباءِ جمعتْ … بها لك الفواركُ الشواردُ
تبرعَ الملكُ بها مبتدئا … و كلُّ بادٍ بالجميل عائدُ
قد كنتُ عيفتُ لك الطيرَ بها … مستيقظا والحظ بعدُ هاجدُ
و برقتْ لي في المنى سيوفها … من قبلِ أن تبرزها المغامدُ
علما بما عندك من أداتها … و أنها سيفٌ وأنت ساعدُ
فلم يخنيَّ فارسُ الظنَّ ولا … غرتني المخايلُ الشواهدُ
و بعدُ لي فيك رجاءٌ ناظرٌ … إلى السماء وحسابٌ زائدُ
حتى يشقَّ للزمان رمسهُ … و أنت باقٍ والعلاءُ خالدُ
بك استقاد الفضلُ ودماؤه … مطلولة ٌ وعزَّ وهو كاسدُ
نصرتهُ والناسُ إما جاهلٌ … بحقه أو عارفٌ معاندُ
و رشتَ من أبنائه أجنحة ً … طار حصيصا ريشهُ البدائدُ
تعطي وأنت معدمٌ وإنما … يعطي أخوك البحرُ وهو واجدُ
زرعتَ عندي نعمة ً سالفة ً … أنت لهذا الشكر منها حاصدُ
عطفا على ذكرى ووصفا فخرهُ … باقٍ عليَّ والزمانُ بائدُ
و نظرا بدأتني برأيه … لو أن باديه إليّ عائدُ
لكن أردتَ الخيرَ لي ودونه … حوائلٌ من زمني حوائدُ
فهل لأرضى لك أن تبلها … على الجدوب سحبك الجوائدُ
غرستُ منك بالولاء والهوى … غرسا فماذا أنا منه حاصد ُ
أنظر فقد قدرتَ في مظلمة ٍ … كنتَ على إنصافها تعاهدُ
و اقض ديونَ المجد فيها وارعَ لي … ما تقتضي الأواصرُ التوالدُ
و لا تكن حاشاك من معاشرٍ … تخذلُ أقوالهم العقائدُ
كانوا يدي وريحهم راكدة ٌ … و أسرتي والحظُّ عنهم عاصد
فحين هيت عاصفا رياحهم … قلَّ الوفيُّ ونأى المساعدُ
غنيتُ أنْ أسكرني جفاؤهم … و في غنائي لهمُ عرابدُ
و بخلاء لا تهنا نعمة ٌ … همُ اليها السبلُ والمقاصدُ
إذا كرمتَ لؤموا سفارة ً … و إن قربتَ فهمُ أباعدُ
تغالقُ الأرزاقُ أيمانهمُ … تضجُّ من مطلهم المواعدُ
لا يرتجى حكمُ القريض بينهم … و لا يخاف اللغوُ والعرابدُ
و كيف أبغى في النبيط منهمُ … و العجمِ أن تنفعني القصائدُ
تلافَ بالفضل الوسيعِ ما جنى … مسلمهم عليّ والمعاهدُ
حاشاك يشقى واحدٌ بفضلهِ … على زمانٍ أنتَ فيهِ واحدُ
قد طال صوني سمعك المشغولَ عن … بثك ما ألقى وما أكابدُ
و نقبتْ جسمي وقلبي صابرٌ … من زمني نيوبهُ الحدائدُ
و لم يدعْ تحت الخطوب فضلة ً … فيّ تدبُّ نحوها الأوابدُ
و أعوزَ المقامُ أن أسطيعهُ … و سددتْ عن سيريَ المقاصدُ
أيقتلُ الزمانُ مثلي هدرا … و أنت ثأري والزمانُ عامدُ
أنت بفضلي شاهدٌ فلا أمتْ … هزلاً وتضييعا وأنت شاهدُ
أكدْ مع الإثقالِ نحوي نظرة ً … تنعشني لحاظها الردائدُ
لعلها يا خيرَ من يدعى لها … تصلحُ شيئا هذه المفاسدُ
و ابتعْ بها الشكرَ فعندي عوضٌ … تضمنهُ القواطنُ الشواردُ
كلّ مطاعٍ أمرها مسلطٌ … في الشعر ملقاة لها المقالدُ
سائرة تنشرها الركبانُ أو … عامرة بذكرها المشاهدُ
ترى الكلامَ عجزاً وطرفاً … و كلها وسائطٌ فرائدُ
إذا رأتْ عرض كريمٍ عاطلا … فهي له العقودُ والقلائدُ
تحملُ من وصفك ما يحملهُ … عن روضة الحزنِ النسيمُ الباردُ
طالعة بها التهاني أنجما … ما كرّ نوروزٌ وعيدٌ عائدُ
يفنى بنو الدنيا وأنت معها … باقٍ على مرّ الزمان خالدُ
تبقى عليك والذي نأخذهُ … من الجزاءِ مضمحلٌ بائدُ
محامدٌ يحسدك الناسُ لها … و الناسُ إما حامدٌ أو حاسدُ .