إن يظعن الشيب الشباب فقد ترى – الفرزدق
إنْ يُظْعِنِ الشّيْبُ الشّبابَ فقد تُرَى … لَهُ لِمّةٌ لَمْ يُرْمَ عَنْها غُرَابُهَا
لَئنْ أصْبَحَتْ نَفسي تُجيبُ لطال ما … أقَرّتْ بعَيْني أنْ يُغِيمَ سَحابُهَا
وَأصْبَحتُ مِثْلَ النّسْرِ أصْبَحَ وَاقِعاً … وَأفْنَاهُ مِنْ كَرّ اللّيَالي ذَهابُهَا
وَمايِرَةِ الأعْضَادِ قَد أجهَضَتْ لها … نَتِيجَ خِداجٍ وَهْيَ نَاجٍ هَبابُهَا
تَعالَلْتُهَا بالسّوْطِ بَعْدَ التِياثِها، … بمُقْوَرّةِ الأعْلام يَطْفُو سَرَابُهَا
فقلت لها: زوري بلالاً فإنه … إلَيْهِ من الحَاجَاتِ تُنْضى ركابها
حَلَفْتُ، وَمَنْ يَأثَمْ فَإنّ يَمينَهُ … إذا أثِمَتْ لاقِيهِ مِنْهَا عَذابُها
لئِنْ بَلَّ لي أرْضِي بِلالٌ بِدَفْقَةٍ … منَ الغَيثِ في يُمنى يدَيهِ انسِكابُها
أكُنْ كالّذي صَابَ الحَيا أرْضهُ التي … سَقاها وَقَد كانَتْ جَدِيباً جَنَابُها
فأصْبَحَ قَدْ رَوّاهُ من كُلّ جانِبٍ … لَهُ مَطَرَاتٌ مُسْتَهِلٌّ رَبَابُها
فَتىً تَقْصُرُ الفِتْيانُ دُونَ فَعالِهِ، … وكانَ بِهِ للحَرْبِ يخبو شهابها
هُوَ المشتري بالسيف أفضَلَ ما غلا … إذا مارحى الحرب استَدَرّ ضِرَابُها
أبَى لِبِلالٍ أنّ كَفّيْهِ فِيهِمَا … حَيا الأرْض يسقي كلَّ مَحلٍ حَبابُها
هُوَ ابنُ أبي مُوسى الذي كانَ عِنْدَه … لحاجَاتِ أصْحابِ الرّسُول كِتابُها
رَأيْتُ بِلالاً إذْ جَرَى جاءَ سابِقاً، … وَذَلّتْ بِهِ للحَرْبِ قَسْراً صِعابُها
بهِ يَطْمَئِنّ الخَائِفُونَ وَغَيْثُهُ … بِهِ مِنْ بِلادِ المَحْلِ يَحْيا تُرَابُها
أبَيْتَ على النّاهِيكَ إلاّ تَدَفّقاً، … كما انهَلّ من نَوْءِ الثّرَيّا سَحابُها
رَحَلْتُ مِنَ الدَّهْنَا إلَيْكَ وَبَيْنَنا … فَلاةٌ وَأنْيَاهٌ تَعَاوَى ذِئَابُها
لألْقَاكَ، وَاللاّقِيكَ يَعْلَمُ أنّهُ … سَيَمْلأُ كَفّيْ سَاعِدَيْهِ ثَوَابُها
نَمَاكَ أبُو مُوسَى أبُوكَ كَما نَمَى … وُعُولاً بِأعْلى صَاحَتَينِ هِضَابُها
وكُلُّ يَمَانٍ أنْتَ جُنّتُهُ الّتي … بِهَا تُتّقَى لِلْحَرْبِ إذْ فُرّ نَابُها
وَأنْتَ امْرُوءٌ تُعْطي يَمينُكَ ما غَلا، … وَإنْ عاقَبَتْ كانَتْ شَديداً عِقابُها