أَبى الحَظُّ إِلا أَن يُصارِعُني دَهري – الياس أبو شبكة
أَبى الحَظُّ إِلا أَن يُصارِعُني دَهري … وَما زِلتُ حَتّى اليَومَ في ميعَةِ العُمرِ
حَمَلتُ عَلى ظَهري صَليبَ تَعاسَتي … وَلم أَحسَنُ من كَأسي سِوى الخلِّ وَالمُرِّ
يَقولونَ عَنّي إِنَّني مُتَطَرِّفٌ … وَلي مَبدَأُ أَعمى جَعَلتُ بِهِ فَخري
وَلا أَنظُمُ الأَشعارَ إِلّا لِأَنَّني … أُؤَمِّلُ بِالأِشعارِ أَن يَرتَقي قَدري
أَلا أَينَ ما يَدعونَ مِنّي تَطرُّفاً … وَرائِدُ فِكري الصِدقُ في السِرِّ وَالجَهرِ
وَماذا تُريدُ الناسُ مِنّي فَإِنَّني … أَرى البَعضَ مِنهُم قَد رَمانِيَ بِالسُخرِ
أَأَلجِمُ عَن حقي لسانيَ أَم تُرى … أُقَيِّدُ نَفسي أَم أَبيعُهُم فِكري
وَإِنّي فَتى حرٌّ أَسيرُ عَلى هُدى … ضَميري وَلا أَهوى سِوى الرَجُلِ الحرِّ
بنيتُ مَع الأَحرارِ جِسراً مُمَنَّعاً … دَعوني بِحَقِّ اللَهِ أَمشي عَلى جِسري
فَما حاقِرٌ قَولَ الحَكيمِ وَرَأيهُ … وَما تارِكٌ نُصحَ النَصوحِ وَرا ظَهري
وَلا أَنظُمُ الأَشعارَ لِلمَجدِ وَالعُلى … وَلكِن شُجونُ النَفسِ تمرح في صَدري
تمرُّ عَلى قيثاري نَفحَةُ الأَسى … فَتَصعدُ من أَوتارِها نَغمَةُ الشِعرِ
رَأَت عَينِيَ الدُنيا فَأَذرَت دُموعَها … وَكَيفَ تَرى الأَهوالَ عَيني وَلا تَذري
إِذا ما حكيتُ الصِدقَ وَهوَ فَضيلَةٌ … فَتَنعَتني بِنتُ الجَهالَةِ بِالكُفرِ
وَلم أَرَ في الدُنيا عَذيراً مُدافِعاً … عَنِ الحَقِّ إِلّا راكِبَ المَركَبِ الوَعرِ
تجنَّبهُ كُلُّ الشُعوبِ لِأَنَّهُ … فَضيلٌ وَما لِلفَضلِ في الكَونِ من ذِكرِ
تَعالي فَتاةَ الحُبِّ نَجتَنِبُ الريا … فَقد سادَ في الدُنيا ريا الظُلمِ وَالمَكرِ
تَعالي فَفي عَينَيكِ طَيفُ سَعادَتي … يُرافِقُ سيري في حَياتي إِلى القَبرِ
وَهاتِ ليَ القيثارَ مُؤنِس وَحشتي … لِتَسبَحَ روحي فَوقَ اَوتارِهِ الحمرِ
فَتَقطَع لَيلَ العُمرِ بِالأُنسِ وَالغنا … وَنَصعَدُ أَبراجَ الكَواكِبِ في الفَجرِ
دَعي الغَيرَ نشواناً بِخُمرَةِ جَهلِهِ … يُفَتِّشُ في الأَقذارِ عَن مَوضِعِ التبرِ
دَعيهِ دَعيهِ وَاِتبَعيني بِعِزَّةٍ … نُحَلِّقُ في جَوِّ الخَيالِ مَع النِسرِ
هُنالِكَ حَيثُ الصَفوُ يُؤنِسُ حُبَّنا … وَنَصبو لِرَنّاتِ العَناصِرِ وَالزُهرِ
وَلا نُطيءُ الحَقَّ الصَريحَ بِرِجلِنا … وَلا نَكسَبُ الأِموالَ بِالجورِ وَالغَدرِ
هناكَ ترينَ الصِدقَ يُزهرُ رَوضُه … فَتجنينَ مِنهُ لِلهَوى أَجمَلَ الزَهرِ
وَإِذا ذاكَ أُلقي في ذِراعَيك هامَتي … وَأَرمي فُؤادي في أُنامِلِكِ العشرِ
تَعالي تَعالي فَالمَلائِكُ كُلُّها … تقطِّرُ في جَفنَيكِ قارورَةَ السِحرِ
وَإِن داهَمَتنا في المَحَبَّةِ ظُلمَةٌ … فَنَأخُذُ نبراساً لَنا مُهجَةَ البَدرِ
فَتى الشَرقِ وَالريحانُ في الشَرقِ نابِتٌ … يُفَرِّقُ مِن أَوراقِهِ أَرجَ العُطرِ
لَقَد طالَما كُنتَ الأَمينَ وَطالَما … نَذَرتَ لَهُ حُبّاً وَقد قُمتَ بِالنذرِ
رَأَيتُكَ في بَغدادَ روحاً حَزينَة … تُطِلُّ عَلى لُبنانَ من كُوَّةِ الدَهرِ
وَتَذرِفُ دَمعَ الحُزنِ في قُطرِ يَعرُبٍ … فَتَأتي بِهِ الأَرواحُ مِن ذلِكَ القُطرِ
أَمَعروفٌ شَطرٌ مِن فُؤادي أَذَبتَه … وَكم مَرَّةً ذَوَّبتَ قَلبِيَ في سَطرِ
أَلَم تَرَ لُبناناً يَئنُّ وَيَشتَكي … وَيَحيا بِلا صَبرٍ عَلى لَهَبِ الجَمرِ
لَقَد كانَ لَيثاً في المهمّاتِ أَظفَراً … وَها إِنَّهُ لَيثٌ وَلكِن بِلا ظفرِ
لِذلِكَ أَبكيهِ بِدونِ تَصَبُّرٍ … أَما كُنتَ تَبكي في العِراقِ بِلا صَبرِ