أما وهذا الزمان يمتحنه – البحتري

أَمَا وَهَذَا الزَّمَانُ يَمْتَحِنُهْ … بِصَرْفِهِ تارَةً ويَمْتَهِنُهْ

إِذَا جَرَى نَحْوَ غَايَةٍ عَبَأَتْ … لَهُ الرَّدَى مِنْ زَمَانِهِ إِحَنُهْ

فَلا مَلُومٌ عَلَى دَنِيئِتهِ … عَمَّا سَمَتْ لادِّرَاكِهِ فِظَنُهْ

مَنْ ذَا مِنَ الدَّهْرِ بات مُسْتَتِراً … أَمْ مَنْ وَقَتْهُ سِهَامَةُ جُنَنُهْ ؟

هَيْهَاتِ أَعْيَا ، فَمَا تُرَدُّ يَدٌ … لهُ لِمَا سَارَ فِيهِ يَحْتَجِنُهْ

أَمَا ومَنْ مَا ذَكَرْتُ فُرْقَتَهُ … إِلاَّ يَرَى القَلب حَاشِداً شَجَنُهْ

ومَنْ رَضَِيتُ السُقَامَفِي بَدَنِي … مِنْهُ إِذَا كَانَ سَالِماً بَدَنُهْ

ومَنْ كَأَنَّ القَضِيبَ قَامَتُهُ … والبَدْرَ يَحْكِي ضِيَاءَهُ سُنَنُهْ

وَمَنْ بِخَدَّيْهِ رَوضَتانِ ، وَمَنْ … يَنْفُثُ سِحْراً مِنْ طَرْفِهِ فِتَنُهْ

إِذا رَنَا خِلْتَ أَنَّهُ ثَمِلٌ … يَكسِرُ أَجْفَانَ لَحْظِهِ وَسَنُهْ

لَقَدْ حَاَبْتُ الزَّمانَ أَشْطُرَهُ … طَبًّا بِمَا تَنتَحِي لهُ مِحَنُهْ

فَمَا نَأَى المُسْتَقِيمُ مِنْهُ ، وَلاَ … عَلَيَّ أُعْيَتْ جَهَالَةً أُبَنُهْ

وأَعْلَمُ النَّاسِ بالزَّمانِ فَتًى … أَهْدَى أَعاجِيبَهُ لهُ زَمَنُهْ

لِسَيِّىءٍ مِنْهُ نُصْبَ مُقْلَتِهِ … ومَا بَعِيدٌ عَنْ لَحْظِهَا حَسَنُهْ

فَمَا فُؤَادِي بِجَازِعٍ أَسَفاً … مَا أَخْلَفَتْ ذَا مَطَامِعٍ ظِنَنُهْ

غَنِيتُ باللهِ فاسْتَرَحْتُ مِنَ الْــ … ـــمُوفِي عَلَى نَزْرِ مَنِّهِ مِنَنُهْ

وَمِنْ بَخِيلٍ بُرُوقُ زِبْرِجِهِ … كَخُلَّبِ البَرْقِ خَانَهُ مُزُنُهْ

مُتَسِعِ الصَّدْرِ لِلْمَقَالِ ، وإِنْ … رَامَ فَعَالاً فَضَيِّقٌ عَطَنُهْ

والحُرُّ لا يَرْأَمُ الصَّغَارَ إِذا … سِيمَ الأَذَى أَو نَبَا بهِ وَطَنُهْ

لكِنَّهُ يَخْرِقُ الخُرُوقَ ولا … يَسْتَصْعِبُ الصَّعْبَ مُهْوِلاً عَنَنُهْ

حَلِيفُهُ المَشرِفِيُّ لَيْسَ لَهُ … خِلٌّ سِوَى المَشْرِفيِّ يَأْتَمِنُهْ

صَاحِبُ صِدْقٍ تَكْفِيهِ بَدْأَتُهُ … عَوْدَ شَفِيعٍ نَبَتْ لَهُ أْذُنُهْ

إِذا انْتُضِي فالرُّؤُوسَ مَغمَدُهُ … يَأْمَنُ مِنْهُ المُلُوكَ مُمْتَحِنُهْ

طَلائِعُ المَوْتِ فِي تَلأْلُؤِهِ … يَعُوقُهَا لِلشَّقَاءِ مُرْتَهِنُهْ

كالْبَرْقِ يَفْرِي الطُّلَى كأَنَّ بِهِ … ذَحْلاً عَلَى المُقْصَدِينَ يَضْطِغِنُهْ

فالْوَفْرُ بالنَّصْلِ يُسْتَفَادُ إِذَا … ضَاقَتْ عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ مُدُنُهْ

وإِنَّما العَارُ أَن يُرَى حَذِراً … يُزَيِّنُ الفَقرَ عِندَهُ خَنَنُهْ

يُقَلِّبُ الرَّأيَ دَهرَهُ فِرَقاً … لا خَفْضُهُ دَائِمٌ ولا حَزَنُهْ

فَذَا قَريبٌ يَأْوِي إِلى سَكَنٍ ، … وذاكَ نَاءٍ يَهْوي لَهُ سَكَنُهْ