ألا عللاني بالتمدن تعليلا – أحمد فارس الشدياق

ألا عللاني بالتمدن تعليلا … فصبري من دون المؤانس قد عيلا

ولا تذكرا لي عافيا من ربوعهم … فجسمي اعفى منه رسما ومدلولا

وما شائق نفسي الخراب وانما … يشوقها ان تنظر القفر مأهولا

وان فسيح البر يمرع ناضرا … وان صفيح البحر يحمل اسطولا

وان تجرى الارتال كالبرق سرعة … وكالرعد جلجالا وكالغيث تنويلا

تقل صدورا يملأ الكون خيرها … فتسبقها في نائل البر تخويلا

وحسن وجوه كالبدور وانها … لأجمل منها اذ اقلت اكاليلا

فان وقفت في موقف خلت اهله … ملوكا لهم تجبى النفائس تفضيلا

وان تشغل الناس العواجل مرة … وتحفل اخرى في الحوافل تعجيلا

على سرر مرفوعة قد تقابلوا … بها فوقوا حرا وبردا وزليلى

وان تجرى الانهار في الارض عذبة … ومن حولها الاشجار باسقة طولا

وان ديار الساكنين رحيبة … تزار فتولى كل من زارها السولا

وان رياضا حولها وحدائقا … يفوح لها عرف فينعش متبولا

وان ترتع الارآم ارام انسها … على بسط الزهر المنوع تشكيلا

هنالك انغام المعازف حولت … عن القلب ما يلقى من الهم تحويلا

هنالك دارت بالكؤوس سقاتها … كؤوس من المزر الذي لذ تحليلا

لقد توجت هاماتها بحبابه … وما ان عهدنا لابنة الكرم تكليلا

فمن يتأمل ساعة في جمالها … يعد وهو فيها اكثر الناس تأميلا

فيا ويح من لم يألف الشمس طرفه … اذا ما اجتلى انوارها النظرة الأولى

ومن لم يجد للعشر زيدت لحكمة … على الشعر تعليلا صحيحا وتأويلا

لقد غضب الساقي على الشرب اذراي … بها طرفهم عن حسنه كان مشغولا

وليس لهم هم على فرط علمهم … بمن باء منصوبا ومن بات معزولا

واجدر بمن قد حازها أن تشوقه … وقد لاح منها انجما وتهاويلا

فتلك التي فيها اغالي لانها … حلال فلا تأثيم فيها ولا غولا

فمن لا منى فليسعفني بذكرها … وما ضرني كوني على الحق معذولا

لعمرك ليس العمر ما طال نحبه … ولكنه ما طاب بالانس تأجيلا

فحسبي منه ما خلا عن سآمة … وسائره كالحمل يثقل محمولا

وان تفعم الافراح افئدة الورى … وكل لفعل الخير أهل تأهيلا

ويعلم أن الله ينصر عبده … اذا ما تحرى للهداية تعويلا

وان تهدى الأنوار في حالك الدجى … خطى من سعى فيه ليدرك مأمولا

لعمرك ان الله نور ومن يزد … من النور يزدد منه زلفى وتوسيلا

ومن يتمحل للخلاف مكابرا … فسجل عليه انه كان ضليلا

فهذا الذي اصبو اليه اصيبه … بمصر على ابهى الاساليب تكميلا

فهمة اسماعيل قد اوجدت بها … محاسن هذا العصر اصلا وتاصيلا

فمن كان في عيش التمدن راغبا … فان عليه ان يرى مصر والنيلا

والا فلا يعتب على الدهر ساخطا … ولا يلقين من فيه قالا ولا قيلا

ومن يقض في مدح العزيز زمانه … فذاك الذي لم يأت قط الاباطيلا

ولو جاز بعد الذكر تنزيل آية … لكانت قوافي مدحنا فيه تنزيلا

هو العادل البر الذي عم فضله … فلم يبق الا من به ظل مشمولا

له ناصر من ربه ومؤازر … فمهما نوى من نية كان مفعولا

ولو لم يكن عون الاله مصاحبا … له لم يرم ما عز روما وتحصيلا

فدان له اقصى المطالب والمنى … فقرب ممطولا وابعد مملولا

وسن من الافعال ما صار قدوة … وسنى من الآمال ما كان تخييلا

واطلق بالجود الذي هو دأبه … وشيمته من كان بالعسر مغلولا

وألف ما بين الزمان وأهله … فسواهما عدلى محاسن تعديلا

وألبس مصرا ثوب عز وغبطة … يدوم على مر الجديدين مسدولا

متى ما يشد في الأرض مأثرة فله … أشاد لها أهل السماوات تهليلا

حديث علاه لا يزال مكررا … صحيحا على أقوى الاسانيد منقولا

أرى العدل عند الناس مثل حروفه … غدا مهملا لا يشغلون به جولا

ولكنه عند العزيز شريعة … منزلة لن تقبل الدهر تبديلا

لقد جمل الدنيا به خالق الورى … وكمل أحكام السياسة تكميلا

فلست ترى في مصر غير محاسن … كما سبقت عنه الكناية تفصيلا

وللدين منه حرمة ورعاية … فكم في سبيل الله أجزل تسبيلا

وأهل الزوايا والمساجد عززوا … بما أحرزوه من فواضله الطولى

وكل امرء ناداه معتصما به … فان له في ثوب جدواه تزميلا

سيذكر قوم بعد قوم صنيعه … وينبئ جيل عن صنائعه جيلا

أدام اله العرش عز جنابه … وزاد علاه في البرية تأثيلا

ومتعه بالنجل والاهل دائما … وصانهم طرا بطه وجبريلا

وهنأهم بالعيد في كل حجة … هناء بادراك المآرب موصولا

يحق علينا ان نعظم قدرهم … ونهديهم حمدا وشكرا وتبجيلا