أجدك بعد أن ضمَّ الكثيبُ – مهيار الديلمي
أجدك بعد أن ضمَّ الكثيبُ … هل الأطلالُ إن سئلتْ تجيبُ
و هل عهدُ اللوى بزوردَ يطفى … أوامك إنه عهدٌ قريبُ .
أعدْ نظراً فلا خنساءَ جارٌ … و لا ذو الأثل منك ولا الجنوبُ
إذا وطنٌ عن الأحبابِ عزى … فلا دارٌ بنجدَ ولا حبيب
يمانية ٌ تلوذُ بذي رعينْ … قبائلها المنيعة ُ والشعوب
حمتها أن أوزرَ نوى ً شطونٌ … براكبها ورامحة ٌ شبوبُ
ململمة ٌ تضيقُ العينُ عنها … إذا شرقتْ بجمتها السهوبُ
و معجلة ٌ عن الإلجام قبٌّ … أعنتها إلى الفزع السبيبُ
و إنك بالعراقِ وذكرَ حيًّ … على صنعاءَ للحلمُ الكذوبُ
لعلّ البانَ مطلولاً بنجدٍ … و وجهَ البدرِ عن هندٍ ينوبُ
ألا يا صاحبيَّ تطلعا لي … أشى َّ هل اكتسى الأيك السليبُ
و هل في الشرب من سقيا فإني … أرى في الشعبِ أفئدة ً تلوبُ
أكفكفُ بالحمى نزواتِ عيني … و قد غصتْ بأدمعها الغروبُ
و أحلمُ والمطايا يقتضيها … دوينَ حنينها الحادي الطروبُ
فمنْ يجهلْ به أو يطغَ شوقٌ … فشوقي لا أبا لكما لبيبُ
و بيضٍ راعهنَ بياضُ رأسي … فكلُّ محببٍ منى ّ معيبُ
عددنَ مذ التثمتُ به ذنوبي … و قبلَ الشيبِ أحبطتِ الذنوبُ
يجدُّ المرءُ لبستهُ ويبلي … و آخرُ لبسة ِ الرأسِ المشيبُ
و كنتُ إذا عتبتُ على الليالي … و في وجهي لها لونٌ نسيبُ
أطاعَ شبابها حفظاً شبابي … فجاءت من إساءتها تنيبُ
فما بالي أرى الأيامَ تنحى … عليَّ مع المشيبِ وهنّ شيبُ
عذيري من سحيلِ الودّ نحوى … حقيبة َ رحلهِ مرسٌ تخيبُ
و فيَ لي وهو محصوصٌ وأضحى … غداة َ ارتاش وهو عليَّ ذيبُ
و محسودٍ عليَّ تضيقُ عني … خلائقهُ وجانبهُ رحيبُ
لطيتُ له فغرَّ بلين مسى َّ … و ربَّ كمنية ٍ ولها دبيبُ
توقَّ عضاضَ مختمرٍ أخيفتْ … جوانبهُ وفي فيه نيوبُ
فإن الصلَّ يحذرُ مستميتاً … و تحتَ قبوعهِ أبداً وثوبُ
و لا تثلمْ ودادك لي بغدرٍ … فقد يتثلم النسبُ القريبُ
أنلني بعضَ ما يرضي فلو ما … غضبتُ حماني الأنفُ الغضوبُ
و منْ هذا يردّ عنانَ طرفي … إليك إن استمرّ بي الركوبُ
سترمي عنكَ بي إبلي بعيدا … و تنتظرُ الإيابَ فلا أؤوبُ
و ربتما أتاكَ بنشرِ صيتي … و واسعِ حاليَ النبأُ العجيبُ
أخوفُ بالخيانة ِ من زماني … و قد مرنتْ على القتبِ الندوبُ
و ما وادعتهُ منذ احتربنا … على سلمٍ فتوحشني الحروبُ .
و كيف يريبني منه بيومٍ … زمانٌ كلهُ يومٌ مريبُ
و إني مذ غدت هممي سيوفا … لأعلمُ أنني أبدا ضريبُ
و ما جنتِ الذي يجنيه قلبي … على جسمي العداة ُ ولا الخطوبُ
لئن أبصرتني رثاً معاشي … أطوفُ حولَ حظيَ أو أجوبُ
فتحتَ خصاصتي نفسٌ عزوفٌ … و حشوَ معاوزي كرمٌ قشيبُ
سلي بيدي الطروسَ وعن لساني … فواركَ لا يلامسها خطيبُ
لها وطنُ المقيم بكلَّ سمعٍ … تمرّ به وسائرها غريبُ
بوالغُ في مدى العلياءِ لو ما … أعان ركودها يوما هبوبُ
لئن خفتْ على قومٍ ودقتْ … فما يدعى بها منهم مجيبُ
و نفرها رجالٌ لم يروحْ … على أفهامهم منها عزيبُ
فعند مؤيدِ الملكِ اطمأنتْ … و ضمّ شعاعها المرعى الخصيبُ
فكم حقًّ به وجدَ انتصافاً … وظنًّ في نداهُ لا يخيبُ
و واسعة ِ الذراعِ يغرُّ فيها … عيونَ العيسِ رقاصٌ خلوبُ
إذا استافَ الدليلُ بنا ثراها … أرابَ شميمه التربُ الغريبُ
تخفضنا وترفعنا ضلالاً … كما خبتْ براكبها الجنوبُ
إذا غنتْ لنا الأرواحُ فيها … تطاربتِ العمائمُ والجيوبُ
عمائمُ زانها الإخلاقُ ليثتْ … على سننٍ وضاءتها الشحوبُ
قطعناها إليك على يقينٍ … بأنَّ الحظَّ رائدهُ اللغوبُ
ترى ما لا ترى الأبصارُ منها … كأنَّ عيونها فيها قلوبُ
إلى ملكٍ مخضرة ٍ رباهُ … جمادُ الرزقِ من يدهِ يذوبُ
يغيضُ بنا ويملحُ كلُّ ماءٍ … و ماءُ بنانه عدٌّ شروبُ
تناهتْ عنه أقدامُ الأعادي … كأنّ رواقه الغابُ الأشيبُ
إذا ركب السريرَ علاَ فأوفى َ … على مرباتهِ أقنى رقوبُ
يعولُ الأرضَ ما كسبتْ يداهُ … و ما كلُّ ابنِ مرقبة ٍ كسوبُ
متينُ قوى العزيمة ِ ألمعيٌّ … إذا ما ارتابَ بالفكرِ الأريبُ
يريه أمسِ ما في اليومِ رأيٌ … تملُّ على شهادته الغيوبُ
بِذبك من وراء الملكِ قامت … دعائم منه والتأمتْ شعوبُ
حملتَ له بقلبك ما تركتَ ال … جبالَ به تفاخرها القلوبُ
تضرمُ فتنة ٌ وتضيقُ حالٌ … و صدرك فيهما ثلجٌ رحيبُ
و كم أشفى به داءٌ عضالٌ … و صنعُ اللهِ فيك له طبيبُ
طلعتَ على البلاد وكلُّ شمس … تضيء قد استبدَّ بها الغروبُ
و قد قنط الثرى وخوتْ أصولُ ال … عضاهِ وصوحَ العشبُ الرطيبُ
و نارُ الجورِ عالية ٌ تلظى … و داءُ العجزِ منتشرٌ دبوبُ
فكنتَ الروضَ تجلبه النعامى َ … و ماءَ المزنِ منهمرا يصوبُ
كأنك غرة الإقبالِ لاحت … بعقبِ اليأسِ والفرجُ القريبُ
هنا أمَّ الوزارة ِ أن أتاها … على الإعقامِ منك ابنٌ نجيبُ
و أنك سيد الوزراءِ معنى ً … به سميتَ والألقابُ حوبُ
و لو أتتِ السماءُ بمثلك ابناً … لما كانت طوالعها تغيبُ
بك اجتمعتْ بدائدها ولا نت … معاطفها ومعجمها صليبُ
فلا تتجاذب الحسادُ منها … عرى يعيا يمرتها الجذيبُ
و لا يستروحوا نفحاتِ عرفٍ … لها بثيابِ غيرك لا تطيبُ
نصحتُ لهم لو أنّ النصحَ أجدى … و لم يكن المشاورُ يستريبُ
و قلتُ دعوا لمالكها المعالي … ففي أيديكمُ منها غصوبُ
خذوا جماتهِ الأولى وخلوا … أقاصيَ لا يخابطها ذنوبُ
فكم من شرقة ٍ بالماء تردى … و إن كانت به تشفى الكروبُ
لك اليومانِ تكتبُ أو تشبُّ ال … وغى وكلاهما يومٌ عصيبُ
فيومك جالسا قلمٌ خطيبٌ … و يومك راكبا سيفٌ خضيبُ
جمعتَ كفاية ً بهما وفتكا … و مجمعُ ذينِ في رجلٍ عجيبُ
و ضيقة ِ المجالِ لها وميضٌ … قطارُ سمائه العلقُ الصبيبُ
وقفتَ له حسامك مستبيحٌ … محارمها وعفوك مستثيبُ
و مسودَّ اللثاتِ له لعابٌ … يجدُّ الخطبُ وهو به لعوبُ
يخال على الطروس شجاعَ رملٍ … إذا ما عضَّ لم يرقَ اللسيبُ
تغلغلُ منه في مهج الأعادي … جوائفُ جرحها أبدا رغيبُ
إذا ملكَ الرقابَ به امترينا … مضى قلمٌ بكفك أم قضيبُ
و مضطهدٍ طردتَ الدهرَ عنه … و قد فغرتْ لتفرسه شعوبُ
إذا عصرت من الظمأ الأداوى … على الإعياء أو ركب الجنيبُ
فنعم مناخَ ظالعة ٍ وسقياً … ذراك الرحبُ أو يدك الحلوبُ
علاً رخجية ُ الأبياتِ خطتْ … على شماءَ ينصفها عسيبُ
لها عمدٌ على صدر الليالي … و فوق أوائل الدنيا طنوبُ
صفا حلبُ الزمان لها وقامت … لدعوتها الممالكُ تستجيبُ
و ما من دولة ٍ قدمت وعزت … و إلاَّ ذكرها بكمُ يطيبُ
و منكم في سياستها رجالٌ … فحولٌ أو لكم فيها نصيبُ
كرامٌ تسندَ الحسناتُ عنهم … و تزلقُ عن صفاتهم العيوبُ
مضوا طلقاً بأعداد المساعي … و جئتَ ففتَّ ما يحصى الحسيبُ
قناة ٌ أنت عاملها شروعا … إلى نحر السما وهم الكعوبُ
و خيرُ قبيلة ٍ شرفاً ملوكٌ … لمجدك منهمُ عرقٌ ضروبُ
فلا وصحَ النهارُ ولستَ شمسا … و لا أزرى بمطلعك المغيبُ
و لا برحتْ بك الدنيا فتاة ً … تربُّ كما اكتسى الورقَ القضيبُ
إذا ما حزتها انتفضت عطارا … سوالفها بعدلك والتريبُ
و مات الدهرُ وانطوتِ الليالي … و ملكك لا يموتُ ولا يشيبُ
و قام المهرجانُ فقال مثلَ ال … ذي قلنا وآبَ كما نؤوبُ
و عادك زائرا ما كرَّ ليلٌ … لسعدك بين أنجمه ثقوبُ
بك استظللتُ من أيامِ دهري … و من رمضائها فوقي لهيبُ
كفيتني السؤالَ فما أبالي … سواك من المنوعُ أو الوهوبُ
و غرتَ على الكمال فصنتَ وجهي … فليس لمائه الطامي نضوبُ
مكارمُ خضرتْ عودي وروتْ … ثراه وقد تعاوره الجدوبُ
تواصلني مثانيَ أو وحادا … كما يتناصر القطرُ السكوبُ
فما اشكو سوى أنيّ بعيدٌ … و غيري يومَ ناديكم قريبُ
أفوقُ عزمتي شوقا اليكم … و يقبضني الحياءُ فلا أصيبُ
أصدُّ وضمنَ دستك لي حبيبٌ … عليه من جلالته رقيبُ
إذا امتلأتْ لحاظي منك نورا … نزا قلبي فطارَ به الوجيبُ
يميلُ إليك بشرك لحظَ عيني … و يحبسُ عنك مجلسك المهيبُ
و لو أني بسطتُ لكان سعيٌ … وبلَّ بلاله الشوقُ الغلوبُ
أبيتُ فما أجيبُ سواك داعٍ … و لكني دعاءكمُ أجيبُ
فإن يكن انقباضي أمس ذنبا … فمنذ اليوم أقلعُ أو أتوبُ
و تحضرُ نابياتٌ عن لساني … فواقرُ ربها عبدٌ منيبُ
أوانسُ في فمي متيسراتٌ … إذا ذعرتْ من الكلم السروبُ
إذا أعيتْ على الشعراء قيدتْ … إليَّ وظهرُ ريضها ركوبُ
بقيتُ وليس لي فيها ضريبٌ … و لا لك في الجزاءِ بها ضريبُ
تصاغُ لها الحماسة ُ من معاني … علاك ومن محاسنكِ النسيبُ
رعيتُ بهنّ من أملي سمينا … لديك وحاسدي غيظا يذوبُ
و هل أظما وهذا الشعرُ سجلٌ … أمدُّ به وراحتك القليبُ