1931 – إيليا أبو ماضي
ليطرب من شاء أن يطربا … فلست بمستمطر خلّبا
عرفت الزمان قريب الأذى … فصرت إلى خوفه أقربا
و هذا الجديد أبوه القديم … و لا تلد الحيّة الأرنبا
أرى الكون يرمقه ضاحكا … كمن راء تيه كوكبا
و لو علم الخلق ما عنده … أهلّوا إلى الله كي يغربا
و لو علم العيد ما عندهم … أبى أن يمزّق عنه الخبا
ألا لا يغرّك تهليهم … و قولتهم لك يا مرحبا
فقد لبّسوك لكي يخلعوك … كما تخلع القدم الجوربا
و لوعون بالغدر من طبعهم … فمن لم يكن غادرا جرّبا
و كائن فتى هزّني قوله … أنا خدنك الصّادق المجتبى
أرافق من شكله ضيغما … يرافق من نفسه ثعلبا
هم القوم أصحبهم مكرها … كما يصحب القمر الغيهبا
أراني أوحد من ناسك … على أنّني في عداد الدبى
و أمرح في بلد عامر … و أحسبني قاطنا سبسبا
و قال خليلي : الهناء القصور … ىو كيف و قد ملئت أذؤبا
ألفت الهموم فلو أنّني … قدرت تمنّعت أن أطربا
كأنّ الجبال على كاهلي … كأنّ سروري أن أغضبا
و كيف ارتياح أخي غربة … يصاحب من همه عقربا
عتبت على الدهر لو أنّني … أمنت فؤادي أن يعتبا
و جدتك و الشّيب في مفرقي … وودّعني و أخوك الصّبي
فليس بكائي عاما خلا … و لكن شبابي الذي غيّبا
فيا فرحا بمجيء السنين … تجيء السنون لكي تذهبا
عجيب مشيبي قلب الأوان … و أعجب أن لا أرى أشيبا
فإنّ نوائب عاركتها … تردّ فتى العشر محدودبا
ويا بنت ” كولمب ” كم تضحكين … كأنّك أبصرت مستغربا
أليس البياض الذي تكرهين … يحبّبني ثغرك الأشنبا
فمن كان يكره إشراقه … فإنّي أكره أن يخضبا
أحبّك يا أيّها المستنير … و إن تك أشمتّ بي الرّبربا
و أهوى لأجلك لمع البروق … و أعشق فيك أقاح الرّبى
و يا عام هل جئتنا محرما … فنرجوك أم جئتنا محربا
تولّى أخوك وقد هاجها … أقلّ سلاح بنيها الظبى
يجندل فيها الخميس الخميس … و يصطرع المقنب المقنبا
إذا ارتفع الطرف في جوّها … رأى من عجاجتها هيدبا
وجيّاشه برقها رعدها … تدكّ من الشّاهق المنكبا
يسير بها الجند محموله … قضاء على عجل ركبا
يودّ الفتى أنّه هارب … و يمنعه الخوف أن يهربا
و كيف النجاة و مقذوفها … و يطول من الشرق من غرّبا ؟
و لو أنّه فلو أنّ تهتانها … حيا أنبت القاحل المجدبا
فما المنجنيق و أحجاره … و ما الماضيات الرقاق الشبا ؟
أإن شكت الأرض حرّ الصّدى … سقاها النجيع الورى صيّبا
فيا للحروب و أهوالها … أما حان يا قوم أن تشجبا
هو الموت آت على رغمكم … فألقوا المسدّس و الأشطبا
و للخالق الملك و المالكون … فلا تتبعوا فيكم أشعبا
و لم أنس مصرع ” تيتانيك ” … و مصرعنا يوم طار النبا
فمن شدّة الهول في صدقه … رغبنا إلى ” البرق ” أن يكذبا
ليالي لا نستطيب الكرى … و لا نجد الماء مستعذبا
و بات فؤادي ، به صدعها … و بتّ أحاذر أن يرأبا
و لي ناظر غرق مثلها … من الدّمع بالبحر مستوثبا
إذا ما تذكرتها هجت بي … أسى تتّقيه الحشا مخلبا
فأمسي على كبدي راحتي … أخاف مع الدّمع أن تسربا
خطوب يراها الورى مثلها … لذلك أشفق أن تكتبا
لقد نكب الشّرق نكباته … و حاول أن ينكب المغربا
و أشقى نفوس بني آدم … ليرضى السّراحين و الأعقبا
و لو جاز بين الضّحى و الدجى … لقاتل فيه الضّحى الغيهبا
لعلّلك تمحو جناياته … فننسى بك الذّنب و المذنبا
إذا كنت لا تستطيع الخلود … فعش بيننا أثرا طيّبا
فإنّك في إثره راحل … مشيت السّواك أو الهيدبى