يَدْعُوكَ مُعْتَل وَأَنْتَ بَعِيدُ – خليل مطران

يَدْعُوكَ مُعْتَل وَأَنْتَ بَعِيدُ … بِالأَمْسِ كُنْتَ تَعُودُهُ وَتعِيد

عَزَّ الْعَزَاءُ عَلَى السَّقِيمْ يَلُج فِي … نَسَمَاتِهِ التَّصْوِيبُ وَالتَّصْعِيدُ

أَأَبَا المُروُءَةِ إِنَّ خَطْبَكَ خَطْبُهَا … أَوْ لَمْ تُفَارِقْهَا وَأَنْتَ شَهِيدُ

تُشْفَى الجُسُومُ وَبَعْدَ نَأْيِكَ أَنْفُسٌ … لاَ النَّوْحُ يُشْفِيهَا وَلاَ التَّنْهيدُ

رَزَأَتْكَ طَائِفَةٌ يُحَارُ مُحِبُّهَا … أَنَّى يُعَزِّيَهَا وَأَنْتَ فَقِيد

كَانَتْ بِعَهْدِكَ أُسرَةَ قَوَّمْتَهَا … فَنَمَتْ وَمَا بِفُرُوعِهَا تَأْوِيدُ

وَبَكى بِكَ الأُرْدُنُ أَحْصَفَ عَامِلٍ … لِرُقِيِّهِ مَا يُسْتَزَادُ يَزِيد

رَاعٍ تَخَيَّرَ خِطَّةً فَغَدَا بِهَا … وَمِثَالُهُ بَيْنَ الرُّعَاةِ فَرِيدُ

عَلاَّمَةٌ بَحَّاثَةٌ مُتَضَلِّعٌ … مَنْ دَأْبُهُ التَّصْوِيبُ وَالتَّسْدِيدُ

فِي كُتْبِهِ لِلْعُرْبِ تَارِيخُ بِهِ … يُجْلَى الْعَتِيدُ وَلاَ يَغِيبُ عَهِيدُ

تُرْثِي صُرُوحُ الْخَيْرِ بَانِيَهَا الذي … لَمْ يَدَّخِرْ فِيهَا لَهُ مَجْهُودُ

وَالى رِعَايَتَهَا وَفِي أَيَّامِهِ … لِمْ يُبْطَلِ التَّأْسِيسُ وَالتَّشْييد

فَاليَوْمُ إِنْ لَمْ يَبْكِهِ عُقَبٌ لَهُ … فَمِنَ الأُولى رَبَّى بَكَاهُ عَدِيدُ

كَمْ نَشَّأَ النِشءَ الضَّعِيفَ وَصَانَهُ … فَأُعِدَّ جِيلٌ لِلْبلادِ جَدِيدُ

ترْثِي الحَصَافَةُ وَالثَّقَافَةُ وَالتقَى … مَنْ عَاشَ لاَ ذَمٌ وَلاَ تَفْنِيدُ

هَيْهَاتَ أَنْ تُنْسَى مَنَاقِبُهُ الَّتي … فِي كُلِّ نَادٍ فَاحَ مِنْهَا عُودُ

أَيْنَ الصَّدَاقَةُ لاَ مُدَاجَاةٌ بِهَا … وَالْجَوْدُ أَنْفَعُ مَا يَكُونُ الجُوْدُ

آدَابُ حِبْرٍ لاَ يَخَالِفُ عَهْدَه … وَعَنِ السَّبِيلِ القَصْدِ لَيْسَ يَحيدُ

تِلْكَ الْفَضَائِلُ بَلَّغَتْهُ مَكَانَةً … عَزَّتْ وَكَانَ بِهَا لَهُ تَمْهِيدُ

أَدْنَاهُ عَبْدُ اللهِ مِنْهُ فَبَاتَ فِي … نُعْمَى وَطَالِعُهُ لَدَيْهِ سَعِيدُ

هَلْ مِثْلُ عَبْدِ اللهِ في أَهْلِ النهَى … مَلِكٌ بَصِيرٌ بِالأُمُورِ رَشِيدُ

بِحُسَامِهِ وَبِرَأْيهِ بَلِّغَ الذُّرَى … فَخْراً فَمَا يَسْمُو إِلَيْهِ نَدِيدُ

وَبِبَأْسِهِ فِي الْحَرْبِ أَثْبَتَ أَنَّهُ … بَطَلُ الجِهَادِ البَاسِلُ الصِّنْدِيدُ

كَائِنْ لَهُ وَلآلِهِ دَيْنٌ عَلَى … أَوْطَانِهِمْ وَالعالِمُونَ شُهُودُ

لَوْ لَمْ يَنَلْ اسْمَى الْفَخَارِ بِنَفْسِهِ … لَكَفَاهُ آبَاءٌ سَمَوا وَجُدُودُ

يَا أَيُّهَا الْمُحِيونَ ذِكْرَى بُولُسَ … هَذَا التَّحَدُّثُ بِالحَمِيدِ حَمِيدُ

هَلْ ضَمَّ حَفْلٌ مِنْ أَكَابِرِ أُمَّةٍ … مَا ضَمَّ مِنْهُمْ حَفْلُهُ الْمَشْهُودُ

وَبِهِ الائِمَّةُ وَالْوَلاَةُ وَكُلُّ مَنْ … فِي قَوْمِهِ هُوَ سَيِّدٌ وَعَمِيدُ

وَافَوْا لِيَقْضُوهُ الوَدَاعَ فَمَا تَرَى … إِلاَّ وُفُودٌ تَلْوَهُنَّ وُفُودُ

فِي الْمُسْلِمِينَ وَفِي النَّصارَى مَالَهُ … إِلاَّ وَليٌّ صَادِقٌ وَوَدُودُ

يَا مَنْ نُوَدِّعُهُ أَنْجْزَعُ لِلنَّوَى … وَالأَمْرُ أَمْرُ اللهِ حِيْنَ يُريدُ

مَنْ خَصَّ مِثْلُكَ بِالْمُرُوءَةِ عُمْرَهُ … فَلِذِكْرِهِ الإِكْرَامُ وَالتَّخْلِيدُ

جَزَعْتُ لِعَبْدِ اللهِ يُنْعَى بِبُكْرَةٍ … وَلاَ عُوِّضَ عَنْه وَلَيْسَ لَه نَدٌ

تَفَرَّدَ فِي مِصْرَ أَدِيباً وَعَالِماً … فَوَا حَرَّبَا أَنْ يَهْوَيَ العَلَمَ الْفَرْدُ

فُجِعْنَا بِهِ لاَ يُحْمَد الْعَيْشُ بَعْدَه … فَرُحْمَاكَ يَا رَبِّي لَه وَلَكَ الْحَمْدُ