يَا مَنْ شَكَتْ أَلَمِي مَعِي – خليل مطران

يَا مَنْ شَكَتْ أَلَمِي مَعِي … طيَّبْتِهِ فِي مَسْمَعِي

شَكْوَاكِ ألْطَفُ بَلْسَمٍ … لِجِرَاحَةِ المُتَوَجِّعِ

مَا أعْلَقَ الشَّدْوَ الرَّخيمَ … بِكُلِّ قَلَّبٍٍ مُولَعِ

غَنِّي أهَازِيجَ النَّوَى … وَعَلَى نُواحِي أَوْقِعي

بِنْتَ الكِنَانةِ مَا رَمَى … بِكِ بَيْنَ هَذِي الأَرْبُعِ

فِيمَ اغْتَرْبتِ وَكنْتِ فِي … ذَاكَ الأَمَانِ الأَمْنَعِ

أَحُمِلْتِ مَحْملَ سِلْعَةٍ … جَلَباً بِغيْرِ تَطَوُّعِ

فَفَرَرْتِ مِنْ قَفَصِ الْكَفِيلِ … إلى الْفَضَاءِ الأَوْسَعِ

وَبِوُدِّكِ الْعَوْدُ الْقَريبُ … لِسِرْبِكِ الْمُسْتمْتِعِ

فِي مِصْرَ مَصْرَخَةِ اللَّهِي … فِ وَمَلْجَإ الْمُتَفَزِّعِ

مِصْرَ السَّمَاءِ الصَّحْوِ مِصْرَ … الدِّفْءِ مِصْرَ المَشْبَعِ

مِصْرَ الِّتِي مَا رِيعَ سَا … كِنُهَا بِرِيحٍ زَعْزَعِ

حَيْثُ المَرَاعِي وَالنَّدَى … لِلْمُرْتوِي وَالمُرْتَعِي

حَيْثُ السَّوَاقِي الْحَانِيَا … تُ عَلَى الطُّيُورِ الرُّضَّعِ

حَيْثُ الْحَرَارَةُ مَا تُوَا … ل ربِيبَهَا يَتَرَعْرَعِ

أَمْ أَنْتِ مِنْ تِلْكَ الْجَوَا … لِي فِي الْفصُولِ الأَرْبَعِ

لاَ تَعرِفِينَ مِنَ الزَّمَا … نِ سِوَى المَكَانِ المُمْرِعِ

تَثِبِينَ مِنْ مُتَرَبَّعٍ … أَبَداً إِلَى مُترَبَّعِ

بِهِدَايَةٍ صَحَّتْ عَلَى … طَلَبِ الأَحَبِّ الأَنْفَعِ

وَثُقُوبِ فِكْرٍ فِي … التَّوَجُّهِ وَاخْتِيَارِ المَنْجَعِ

وَغَنَاءِ رَأْيٍٍ عَنْ دَلاَ … لةِ إِبْرَةٍ أَوْ مَهْيعِ

وقناعةٍ مِنْ قِسمةٍ … لَكِ عِنْدَ خَيْرِ مُوَزِّعِ

فِي السِّرْبِ أَنَّى سَارَ لاَ … تَخْشيْنَ سُوءَ المَوْقِعِ

السِّرْبُ مَا فِي السِّرْبِ مِنْ … عَجَبٍ لِذِي قَلْبٍ يَعِي

تَنْضَمُّ حِينَ جَلاَئِهِ … أَشْتَاتهُ فِي مَجْمَعِ

مِنْ غيْرِ مِيعَادٍ تَقدَّ … مَ لِلرَّحِيلِ المُزْمَعِ

فَإِذا عَلاَ أَزْرَى عَلَى … سِرْبِ السَّفِينِ المُقْلِعِ

آلاَفُ آلافٍ بِغَيْرِ … تَلَكُّؤٍ وَتضعْضُعِ

وَبِلاَ هَزِيزِ تَقَلْقُلٍ … وِبِلاَ أَزِيزِ تَخَلُّعِ

وَبِلاَ اصْطِدَامٍٍ فِي الزِّحَا … مِ مُحَطِّمٍ وَمُصَدِّعِ

إنْ تَلْتئِمْ فَمُرُورُهَا … كَالعَارِضِ المُتَقَشِّعِ

أَوْ تَفْتَرِقْ فهِي الْجُيُو … شُ بِقَادَةٍ وَبِتبَّعِ

كُلٌّ يسِيرُ ولا يُخَا … لِفُ فِي الطَّرِيقِ المُشْرَعِ

كُلٌّ يُجَارِي رَأْيَهُ … وَالرَّأيُ غَيْرُ مُوَزَّعِ

كُلٌّ كَرُبَّانٍ يُدِيرُ … زِمَامَ فلْكٍ طَيِّعِ

بِالْيُمْنِ يَا غِرِّيدَةَ الْوَادِي … إلى الْوَادِي ارْجِعِي

إِنِّي لَأَسْمَعُ فِي غِنَا … ئِكِ رَقْرَقَاتِ الأَدْمُعِ

وَيرُوعُنِي شَجَنٌ بِهِ … كَشجىً بِحَلْقِ مُوَدِّعِ

تِلْكَ الْبَرَاعَةُ مَا … اسْتَتَمَّتْ فِي جَمَالٍ أَبْرَعِ

جِسْمٌ كحُقٍّ لِلْحَيَا … ةِ مُعَرَّقٍ ومُضَلَّعِ

يَغْشَاهُ ثوْبٌ دَبَّجَتْ … أَلْوَانَهُ يد مُبْدِعِ

أَلْمَتْنُ يَزْدَهِرُ ازْدِهَا … رَ الأَخْضَرِ الْمُتَجَمِّعِ

وَالصَّدْرُ فِيمَا دونَهُ … يُزْهَى بِأَحْمَرَ مُشبَعِ

وَالْجِيدُ زِينَ مِنَ النُّضَا … رِ بِحِلْيَةٍ لمْ تُصْنَعِ

دَعْ كُلَّ نَقْشٍ فِي الْخِلاَلِ … مُوَشَّمٍ وَمُبَقَّعِ

وَدَعِ الْقوَادِمَ تَسْتَقِلَّ … بِرِيشِهَا المُتنوِّعِ

آياتُ خلْقٍ مَنْ يُجِلْ … نظراً بِهَا يَتَخَشَّعِ

أَعْظِمْ بِهَا فِي ذلِكَ الْجِ … سْمِ الصَّغِيرِ الأَضْرَعِ

لَوْلاَ الْحَرَاكُ لَخِيلَ مِنْ … ثَمَرٍ هُنَالِكَ مُونِعِ

حُلْوُ الشَّمَائِلِ إنْ يُجَا … رِ الطَّبْعَ أَوْ يَتَطَبَّعِ

يَرْنو بِفَائِضَتَيْ سَنىً … كَالجَوْهَرِ المُتَطلَّعِ

يَسْهُو بِغَاشِيَتَيْنِ … تَنْسَدِلاَنِ سَدْلَ الْبُرْقُعِ

مُتَطَاوِلُ الْخَدَّيْنِ فِي … وَجهٍ حَدِيدِ الْمَقْطَعِ

مِنْقَارُهُ كَقُلاَمَتَينِ … مِنَ الظَّلاَمِ الأَسْفَعِ

أُخْتِ الشَّوَادِي الخُضْرِ حَا … نتْ لَفْتَةُ المُتنَوِّعِ

بِكِ نَزعَتِي نَحْوَ الْحِمَى … وَعَدَاكِ قَيْدِي فَانْزِعِي

أَلْقِي الْوَدَاع تَأَهُّباً … وَاسْتَوفِزِي وَاسْتَجْمِعِي

لِلهِ وَثْبَتُكِ الْبَدِيعَةٌ … إِذْ وَثبْتِ لِتطْلُعِي

حَيْثُ الضُّحَى مُتَسَاكِبٌ … كِطلاً بِكَفِّ مُشَعْشِعِ

وَالرِّيحُ تَحْضُنُ آخِرَ … النَّغَمَاتِ حَضْنَ المُرْضِعِ

وَالدَّوْحُ مَيَّادُ الرُّؤو … سِ مُشَيَّعٌ بِالأَذْرُعِ

وَتَعَطُّفُ الأَفْنَانِ شِبْهُ … تَقَصُّفٍ فِي أَضْلُعِ

خُضْتِ الضِّيَاءَ عَلَى غَوَا … رِبِ مَوْجِهِ المُتَدَفّعِ

تَتَصَاعَدِينَ وَمَا الشِّهَا … بُ المُسْتَطَارُ بِأَسْرَعِ

يَرْمِي جَنَاحَاكِ المَهَا … وِيَ بِالشّعَاعِ السّطَّعِ

وتُراعُ رَائِعَةُ النهَا … رِ لِوَهْجِكِ المُتَفَرِّعِ

وَلَشِكَّةُ الأَلْوَانِ حَوْلَكِ … كَالنِّصَاعِ الشُّرَّعِ

مَزَّقْتِ أَسْتَارَ السَّنى … عَنْ عَالَمٍ مُتَقَنِّعِ

جَمِّ الْخَلاَيَا فِي حَوَا … شِي النُّورِ خافِي الْمَوْضِعِ

أَنْزَلْتِ هَوْلاً فِي قرَاهُ … وَفِي الذَّرَائِرِ أَجْمَعِ

أَنَظَرْتِ عَنْ كَثَبٍ إِلَى … مَلإَ هَنَاكَ مُرَوَّعِ

هِيَ وَقْعَةٌ فِي الْجَوَّ بَيْ … نَ هَبَائِهِ الْمُتَلَمِّعِ

هَبَّتْ خَلاَئِقهُ عَلَى … ذَاكَ الْمُغِيرِ الْمُفْزِعِ

فِي أُسْدِ غابٍ تَسْتَطِي … رُ وَفِي ذُبَابٍ وُقَّعِ

يَجْدُدْنَ حَرْباً كَالْكُمَا … ةِ وَكالرُّمَاةِ الرُّكَّعِ

يَكْرِرْن أَوْ يَفْرِرْن … بَيْنَ تفرُّدٍ وَتجَمُّعِ

يَرْمِينَ بالرُّجُمِ الدِّقا … قِ وَبِالنُّجُومِ الظُّلَّعِ

تِيهِي بِغارَتِكِ السَّنِيَّةِ … فِي الْمَجَالِ الأَرْفعِ

مَا شَأُنُ كِسْرَى فِي الْفُتو … حِ وَمَا مَفاخِرُ تبعِ

لاَ مَجْدَ يَبْلُغُ مَجْدَكِ … الأسْنى بِذاكَ الْمَفرَعِ

لاَ صَفْوَ أَرْوَح مِن … تحَيُّرِ خَصْمِكِ المتَضَعْضِعِ

لاَ سِلمَ أَبْهَجُ مِنْ تَهَا … يُلِ رُكْنِهِ المُتزَعزِعِ

أُمَمُ الأَثِيرِ جَمَالُهَا … فِي أَنْ تُرَاعَ فَرَوِّعِي

وَتَتِمُّ آيَةُ حُسْنِهَا … بِالأَمنِ بَعْدَ تَفَزُّعِ

فَإذَا مَضَيْتِ وَلَمْ تُصَبْ … بِبَلاَئِكِ المُتَوَقَّعِ

بَلْ جُزْتِ بِالحُسْنَى وَسَا … ءَ تَوَرُّعُ المُتَوَرِّعِ

ثابَتْ إلى فَرَحٍ كَذَ … لِكَ تَوبَةُ المُتَسَرِّعِ

فسَدِيمُهَا كَغُبَارِ دُرٍّ … سَاطِعٍ فِي مَسْطَعِ

وَالجَوُّ تَمْلأُهُ نُسَا … لاَتُ البُرُوقِ اللُّمَّعِ

سِيرِي وَوَلَّي صَدْرَكِ الْ … مُشْتَاقَ شَطْرَ المَرْبَعِ

حَتَّى إِذَا مَا جِئْتِهِ … وَشَرَعْتِ أَعْذبَ مَشْرَعِ

وَشَدَوْتِ مَا شَاءَ السُّرُو … رُ عَلَى ارْتِقَاصِ الأَفْرُعِ

عُوجِي بِبُسْتَانٍ هُنَا … لكَ فِي الْعَرَاءِ مُضَيَّعِ

صَفْصَافُهُ مُتَنَاوِحٌ … وَالنُّورُ بادِي الْمَدْمَعِ

لِي فِي ثَرَاهُ دَفِينَةٌ … كَالكَنْزِ في الْمُستَوْدَعِ

تُخْفِي الأَزَاهِرُ قَبْرَهَا … عَنْ أَعيُنِ الْمُسْتَطِلعِ

كَانَتْ مِثَالاً لِلْمَحَا … سِنِ فِي مِثَالٍ أَرْوَعِ

فَتَحَوَّلَتْ لُطْفاً إلى … طَيْفٍ أَرَقَّ وَأَبْدَعِ

طَيْفٍ يَشِفُّ بِهِ الْبِلَى … عَنْ رِفْعَةٍ وَتَمَنُّعِ

فَإذَا السَّمَاءُ قَرَارُهُ … وَالنَّجمُ بَعْضُ الْيَرْمَعِ

قُولي لَهُ إنْ جِئْتِهِ … يَا أُنْسَ هَذَا الْبَلْقَعِ

أَتُحِسُّ فِي هذَا الثَّرَى … نَبَضَانَ قلْبٍ مُوجَعِ

هَذَا حَنِينٌ مِنْ فُؤَا … دِ مُحبِّكِ الْمُتَفجِّعِ

عدتِ الْعَوَادِي جِسْمَهُ … عَنْ قُرْبِ هَذَا المَضْجَعِ

فَمَضَى بِأَحْزَنِ مَا يَكُو … نُ أخو الأَسَى وَبِأَجْزعِ

وَنوَى الضَّريحِ أَضَرَّهُ … كَنَوَاكِ يَوْمَ المَصْرَعِ

نِعْم الشَّفِيعَةُ أَنْتِ لِي … عِنْدَ المَلاَئِكِ فاشْفَعِي

مَنْ لِي بِصَوْتٍ مِثْلِ صَوْ … تِكِ مُبْلِغٍ لِتَضَرعِي

يُنْهَى إِلى ثَاوِي الْجِنَا … نِ فَيَسْتَجِيبُ وَقدْ دُعِي

إِنَّ الَّذِي أَبْكِيهِ وَهْوَ … مِنَ النَّعِيمِ بِمَرْتَعِ

بَرٌّ عَلَى رَغْمِ الفِرا … قِ بِعَبْدِهِ المُتَخَضِّعِ

كَمْ زُرْتُهُ فِي يَقْظَةٍ … وَأَلَمَّ بِي فِي مَهْجَعِ

يَدْنُو إِليَّ تَنَزُّلا … عَنْ عَرْشِهِ المُتَرَفِّعِ

وكَمِ الْتَمَسْتُ لِصَوْتِهِ … رَجْعاً فَحَقَّقَ مَطْمَعِي

قَطَعَ الغُيُوبَ وَجَاءَنِي … بِعَرُوضِهِ المُتَقَطِّعِ

هَذَا الْوَفَاءُ وَفَاؤُهُ … فَادْعِيهِ لاَ يَتَمَنَّعِ

بِهُتَافِ لوْعَتِي اهْتِفِي … وَصَدَى حَنِينِي رَجِّعِي

حَتَّى يُجِيبَ فَأَنْصِتِي … بِضَمِيريَ المُتَسَمِّعِ