يَا عَائِداً بِرِعَايَةِ الرَّحْمَنِ – خليل مطران

يَا عَائِداً بِرِعَايَةِ الرَّحْمَنِ … أَلنِّيْلُ رَاضٍ عَنْكَ وَالهَرَمَانِ

أَقْبَلْتَ مَوْفُورَ السَّلامَةِ فَائِزاً … وَالمَوْتُ يَنْظُرُ نِظْرَةَ الخَزْيَانِ

مِنْ جَانِبِ البَحْرِ المَهِيجِ تَجُوزُهُ … فِي الجَوِّ أَوْ مِنْ جَانِبِ البُركَانِ

للهِ دَرُّكَ مِنْ جَرِيءٍ حَازِمٍ … لا مُبْطِيءٍ سَفَهاً وَلا عَجْلانِ

وَدَّ الحِمَى لَوْ يَقْتَفِي آثَارَهُ … جَيْشٌ مِنَ البُلاءِ فِي الفَتْيَانِ

أَثْبَتَّ وَالفُلْكُ الضَّعِيفَةُ مَرْكَبٌ … مَا يُسْتَطَاعُ بِقُوَّةِ الإِيمَانِ

صِدْقُ العَزِيمَةِ وَاليَقِينِ إِذَا هُمَا … وَفَرَا فَأَقْصَى مَا يُؤَمَّلُ دَانِي

فِي مِصْرَ عِيدٌ لِلنُّبُوغِ تُقِيمُهُ … لِلْخَالِدِينَ وَلا يُقَامُ لِفَانِي

أَضْحَتْ وَحَاضِرُهَا كَمَا أَقْرَرْتَهُ … تَسْتَقْبِلُ الأَيَّامَ بِاطْمِئْنَانِ

وَتَلَفَّتَ المَاضِي إِلَيْكَ مُحَيِّياً … أَمَلاَ بِهِ المَجْدَانِ يَلْتَقِيَانِ

لِلْمُلْكِ فِي ذِمَمِ المَفَاخِرِ وَالعُلَى … عِوَضٌ كَفَالَتُهُ عَلَى الشُّجْعَانِ

أَليَوْمَ تَخْدُو فِي العَرِينِ أُسُودُهُ … وَالنَّصْرُ بَيْنَ مَخَالِبِ العِقْيَانِ

فِي الحَرْبِ أَوْ فِي السِّلْمِ لا تُقْضَى المُنَى … إِلاَّ وَسَاعَاتُ الكِفَاحِ ثَوَانِ

صِدْقِي تَلاهُ أَحْمَدٌ وَيَلِيهِمَا … سِرْبُ الْبُزَاةِ يَجُوبُ كُلَّ عَنَانِ

إِنِّي لَمَحْتُ هِلالَنَا وَكَأَنَّمَا … يَبْدُو عَلَيْهِ تَلَهُّبُ الظَّمْآنِ

لَوْ كَانَ شَاهَدَهُ أَخُوهُ لَرَاعَهُ … بِجَمَالِ غُرَّتِهِ الهِلالُ الثَّانِي

أَيَعُودُ فِي رَايَاتِ مِصْرَ وَظِلُّهُ … فَوْقَ القُرَى يَمْشِي بِلا اسْتِئْذَانِ

وَنَرَاهُ كَالعَهْدِ القَدِيمِ مُصَعِّداً … وَنَرَى لَدَيْهِ تَطَامُنَ البُلْدَانِ

أَهْلاً بِأَمْهَرِ فَارِسٍ مُتَرَجِّلٍ … عَنْ مُصْعَبٍ يُرْتَاضُ بِالعِرْفَانِ

خَوَّاضِ أَجْوَازِ العَنَانِ مُمَانِعٍ … غَيْرَ النُّهَى عَنْ أَخْذِهِ بِعِنَانِ

فَرَسٌ كَمَا حَلُمَ الجُدُودُ مَجُنَّحٌ … قَدْ حَقَّقَتَّهُ يَقْظَةُ الأَزْمَانِ

يَدعُو الرِّيَاحَ عَصِيَّةً فَتْنِيلُهُ … أَكْتَافُهَا بِالطَّوْعِ وَالإِذْعَانِ

يَسْمُو فَتَتَّضِعُ الشَّوَامِخُ دُونَهُ … حَتَّى تَؤُوبَ بِذِلَّةِ الغيطَانِ

ويَجُولُ بَيْنَ السُّحْبِ جَوْلَةَ مُمْعِنٍ … فِي الفَتْحِ لا يَثْنِيهِ عَنْهُ ثَانِ

فَإِذَا مَنَاثِرُهَا عَوَاثِرُ بِالدُّجَى … وَبِحَارُهَا يَنْضُبْنَ مِنْ طُغِيَانِ

وَإِذَا قُرَاهَا العَامِرَاتُ وَرَوضُهَا … يُقْوِينَ مِنْ حُسْنٍ وَمِنْ عُمْرَانِ

وَإِذَا مَنَاجِمُ تِبْرِهَا وَعَقِيقِهَا … مَهْدُودَةٌ مَشْبُوبَةُ النِّيرَانِ

وَإِذَا الصُّنُوفُ الكُثْرُ مِنْ حَيَوانِهَا … صُورٌ مَنَكَّرَةٌ مِنَ الحَيوَانِ

وَإِذَا عَوَالِمُ لَيْسَ مِنْهَا بَاقِياً … إِلاَّ اخْتِلاطُ أَشِعَّةٍ وَدُخَانِ

هَذِي أَلاعِيبُ الخَيَالِ وَصَفْتُهَا … بِضُرُوبِ مَا تَتَوَهَّمُ العَيْنَانِ

وَمِنَ المَخَاطِرِ مَا يَفُوقُ بِهَوْلِهِ … مَا تُخْطِرُ الأَوْهَامُ فِي الأَذْهَانِ

مَرَّ الكَمِيَّ بِهَا وَضَرَّى طِرْفَهُ … بِالوَثْبِ فَوْقَ حَبَائِلِ الحِدْثَانِ

حَتَّى إِذَا مَا جَالَ غَيْرَ مُدَافِعٍ … أَوْ عَامَ بَيْنَ اللَّيْثِ وَالسَّرَطَانِ

أَلْوَى يَحُطُّ فَمَا يَقُولُ شُهُودُهُ … إِلاَّ جَلاَلَ النَّسْرِ فِي الطَّيَرَانِ

فَإِذَا دَنَا خَالُوهُ عَرْشاً قَائِماً … شَدَّتْهُ أَمْلاكٌ بِلا أَشْطَانِ

فَإِذَا أَسََّ رَأَوْهُ مَرْكَبةً لَهَا … عَجَلٌ تُسَيِّرُهَا يَدَا شَيْطَانِ

فَإِذَا جَرَى ثُمَّ اسْتَوَى فَوْقَ الثَّرَى … ظَهَرَتْ لَهُمْ أُعْجَوبَةَ الإِنْسَانِ

يَا ابْنَ الكِنَايَةِ رَاشَ سَهْمَ فَخَارِهَا … قَدْرٌ رَمَى بِكَ مَهْجَةَ العُدْوَانِ

شَوْقٌ دَعَا فَأَجَبْتَ لا تَلْوِي بِمَا … تُسْتَامُ مِنْ جَرَّائِهِ وَتُعَانِي

وَأُحِسُّ بِالوَجْدِ الَّذِي حَمَّلْتَهُ … مَتْنَ الأَثِيرِ فَشَعَّ بِالتَّحْتَانِ

مَاذَا عَرَاكَ وَقَدْ نَظَرْتَ مُحَلِّقاً … وَجْهَ الحِمَى بِجَمَالِهِ الفَتَّانِ

فَبَدَا لَكَ القُطْرُ العَظِيمُ كَرُقْعَةٍ … خَضْرَاءَ لا تَعْدُو مَدَى بُسْتَانِ

وَجَلا لَكَ الرِّيفُ الحِلَى مَمْزُوجَةً … بِالظَّاهِرِ الخَافِي مِنَ الأَلْوَانِ

فِي مِصْرَ و الإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَالقُرَى … خَفَّ الوَرَى بِتَعَدَّدِ السُّكَّانِ

أَنْظُرْ إِلَى أَحْدَائِهِمْ وَكُهُولِهِمْ … أُنْظُرْ إِلَى الفَتَيَاتِ وَالفِتْيَانِ

أُنْظُرْ إِلَى البَادِينَ وَالخُضَارِ فِي … حَلَبَاتِهَا اسْتَبَقُوا لِغَيْرِ رِهَانِ

خَرَجُوا لِيَسْتَجْلُوا طَلِيعَةَ مَجْدِهِمْ … فِي رَكْبِهِ المَحْفُوفِ بِاللَّمَعَانِ

وَليَكْحَلُوا هُدْبَ الجُفُونِ بِإِثْمِدٍ … مِنْ ذَرِّ ذَاكَ المِرْوَدِ النُّورَانِي

وَليُبْلِغُوا شُكْرَ الحِمَى ذَاكَ الَّذِي … أَعْلَى مَكَانَتَهُ إِلَى كِيوَانِ

فَالأَرْضُ هَامَاتٌ إِلَيْكَ تَوَجَّهَتْ … وَنَوَاظِرٌ نَحْوَ رَوَانِ

أَشَعَرْتَ وَالنَّسَمَاتُ سَاكِنَةٌ بِمَا … لِقُلُوبِهِمْ فِي الجَوِّ مِنْ خَفَقَانِ

وَعَرَفْتَ فِي إِكْرَامِهِمْ لَكَ مُنْتَهَى … مَا يَبْلُغُ الإِسْدَاءُ مِنْ عِرْفَانِ

نَزَلَتْ سَفِينَتُكَ الصَّغِيرَةُ مِنْ عَلٍ … تُزْجَى بِرَحْمَةِ رَبِّكَ المَنَّانِ

كَلاَّ وَلا يَلِجُ الرَّجَاءُ وَلُوجَها … فِي كُلِّ جَانِحَةٍ وكلِّ جَنَانِ

لا يَأْخُذُ الأَبْصَارَ نُورٌ هَابِطٌ … مُتَوَانِياً كَهُبُوطِهَا المُتَوانِي

لَقِيَتْكَ حَاضِرَةُ البِلادِ لَقَاءهَا … لأَجَلِّ ذِي حَقٍ عَلَى الأَوْطَانِ

وَاسْتَقْبَلَ الثَّغْرُ الأَمِينُ نَزيلَهُ … بِبَشَاشَةِ المُتَهّلِّلِ الجَذْلانِ

مَا زَالَ لِلإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَضْلُهَا … بِبِدَارَهَا وَالسَّبْقِ فِي المَيْدَانِ

جَمَعَتْ حِيَالَكَ شِيبَهَا وَشَبَابَهَا … كَالأَهْلِ مُؤْتَلِفِينَ وَالإِخْوَانِ

مِنْ نُخْبَةٍ إِنْ يَدْعُهُمْ دَاعِي الفِدَى … لَبَّاهُ كُلُّ سَمَيْذَعٍ مُتَفَانِ

أَبْدِعْ بِحَشْدِهِمُ الَّذِي انْتَظَمَ العُلَى … فِي مَوْضِعٍ وَجَلا الحِلَى فِي آنِ

طَلَعَ الأَمِيرُ الفَرْدُ فِيهِ مَطْلَعاً … عَجَباً تَمَنَّى مِثْلَهُ القَمَرَانِ

عُمَرُ الَّذِي اخْتَلَفَتْ صِفَاتُ كَمَالِهِ … وَجَلالُهَا وَجَمَالُهَا وَحَمَالُهَا سَيَّانِ

الشَّرْقُ يَعْرِفُ قَدْرَهُ وَيَجِلُّهُ … وَيَرَاهُ مِنْ أَعْلَى الذُّرَى بِمَكَانِ

فَاهْنَأْ بِقُرْبِكَ مِنْهُ يَا صِدْقِي وَنَلْ … مَا شِئْتَ فَخْرٍ وَرِفْعَةِ شَانِ

وَتَلَقَّ مِنْهُ يَداً تُجِيدُ خِيَارَهَا … وَتُكَافيءُ الإِحْسَانَ بِالإِحْسَانِ