يَا حُبَّ عَبْدَة َ قَدْ رَجَعْتَ جَدِيدَا – بشار بن برد

يَا حُبَّ عَبْدَة َ قَدْ رَجَعْتَ جَدِيدَا … مَا كُنْتُ أحْسِبُ هَالِكاً مَوْجَودَا

لله درك من خليط شاعفٍ … هل ينفعنك أن أبيت عميدا

إِنْ كَانَ فِي طُولِ الصَّحَابَة ِ عِبْرَة ٌ … فَلَقَدْ صَحِبْتُكَ شَائِباً وَوَلِيدَا

مَا فِي اتَّبَاعِكَ إِنْ تَبِعْتُكَ رَاحَة ٌ … ولئن ففقدت لأفقدن مجودا

راجعت من كلف لعبدة يدناً … لا أستطيع به القيام وحيدا

وذكرت من رمضان آخر ليلة ٍ … طلعت كوكبها علي سعودا

إذ نلتقي حلقاً ونسترق الهوى … سَرَقَ الْعَفَارِيتِ السَّمَاعَ مَذُودَا

فَكَأنَّنَا عَسَلٌ بِمَاءِ سَحَابَة ٍ … بَعْدَ التَّفَرُّغِ بِالأنَاة أعِيدَا

وَغَدَاة َ تَرْمقُهَا الْوُشَاة ُ سَألْتُها … مَا خَافَ مِنْ قَمَرٍ سِوَاكِ وَعِيدَا

وإذا تعرض ذكرها كاتمتهُ … وكفى بأدمعي السجام شهودا

وَيَلُومُنِي الصَّلِفُ الْخَلِيُّ وَإِنَّمَا … بَكَرَتْ وَسَاوِسُهَا عَلَيَّ وُفُودَا

وَكَأنَّنِي رَحِلٌ أضَلَّ رُقَادَهُ … عان تطيف به الهموم جنودا

ولقد حسدت على عبيدة عينها … عجباً خلقت لما أحب حسودا

وثقيلة ِ الأرْدافِ مُخْطفة ِ الْحشا … مثل الغزالة مقلتين وجيدا

قَامَتْ تُوَدِّعُنِي فَقُلْت لَهَا: قِرِي … قَدْ كُنتِ نَائِيَة ً وَكُنْتُ بَعِيدَا

لا تَعْجَلِي نَصِلَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ … لا خَيْرَ فِي شَرْعِ الفَتَى تَصْرِيدَا

قَالَتْ: وَكَيْفَ بِمَا تُحِبُّ مَعَ الْعِدَى … شبت عيونهمو علي وقودا

ذوقي عبيد كما أذوق من الهوى … إِنْ كُنْتِ صَادِقَة َ الصَّفَاءِ وَدُودَا

إن الْمُحِبَّ يَذُوبُ مِنْ مَضَضِ الْهَوَى … دون السراب ولا يكون حديدا