يومٌ بهذي الليالي يشبهُ القمرا – مصطفى صادق الرافعي
يومٌ بهذي الليالي يشبهُ القمرا … فإن رأى حلكاً في أفقها سفرا
تخالها ورقاً إن خلته ثمراً … والعامُ غصنهما والأزمنُ الشجرا
ما زالَ فيهِ بريقُ التاجِ من قِدَمٍ … واللحظُ يزدادُ سحراً كلما فترا
يومٌ جلا غرّةً في المجدِ سائلةً … تناظرُ الشمس إن قاسوا بها الغُرَرا
مرآةُ فكرِ مليكٍ فوقها انعكستْ … أنوارهُ كغديرٍ مثَّلَ القمرا
يضاحكُ التاجُ منها لمعةٌ سطعتْ … من الجلالةِ يغشى ضؤُها البهرا
عبدُ الحميدِ بهرتَ الخافقينِ فما … ندري أبرقاً نرينا أم نرى قكرا
إن تغرسِ الرأيَ فالتسديدُ زهرتُهُ … وإن هززتَ القنا أَجْنَيْنَكَ الظفرا
ما بينَ سلمٍ وحربٍ أنتَ ربُّهما … تركتَ هذا الورى في مأمنٍ حذِرا
فلو تشاءُ أمرتَ النارَ فانطفأتْ … ولو تشاءُ زجرتَ الماءَ فاستعرا
ومن يكنْ قلبهُ في كلِّ حادثةٍ … عيناً لفكرتِهِ لا يخطئُ النظرا
يا ضارباً بشبا السيفِ الذي ارتعدتْ … لهُ الممالكُ أطعم سيفكَ الجزرا
لا تخشَ زلزالها إن عصبةٌ رجفتْ … فمن يكنْ معولاً لا يرهبُ الحجرا
إذا سيوفكَ ظنوها صوالحةً … فإنَّ أرؤسهم كانتْ لها أُكرا
غرستَ عندهم نعماكَ في سبخٍ … ومن يلومُ على ريِّ الثرى المطرا
وزارعُ الحبِّ لا ينفكُّ يبذرهُ … وليسَ في وسعهِ إنباتُ ما بذرا
أرى على الأرضِ جرَّاراً لهُ لجبٌ … تخالهُ الأرضُ أطواداً إذا انحدرا
كأنّهُ يوم يرتجُّ الوغى شهبٌ … تساقطَ الجو منها يرجمُ البشرا
من كلِّ ليثٍ إذا حفزتهُ قطرتْ … أنيابهُ واستطارتْ عينهُ شررا
يلقى صدى الموتِ في الآذانِ من فزعٍ … كأنما ثارَ يدعوهُ إذا زأرا
أرى العناية صفت جيشهم كلماً … حروفها قرئتْ ما زالَ منتصرا
أراهُ في الأرضِ معنى لا نظيرَ لهُ … فما أكذبُ أن أدعوهُ مبتكرا
يا عرشَ يلدزَ أنتَ النجمُ لا عطلتْ … منكَ السماءُ التي أفلاكها الوزرا
غدا بكَ الملكُ وجناتٍ موردةٍ … وأعيناً ملئتْ أجفانها حورا
لا زلتَ تشرقُ بالنورِ الذي اقتبستْ … منهُ العروشُ نجومَ الحكمةِ الزُّهرا
كذاكَ يلقي شعاعُ الشمسِ بهجتهُ … على القواريرِ حتى تشبهُ الدُّرَرَا