يميناً بربِّ النجم والنجم إذ يسري – عبدالغفار الأخرس
يميناً بربِّ النجم والنجم إذ يسري … ومَن أنزلَ الآيات في مُحكَمِ الذكرِ
لقَد أشرقت بغدادُ مُنذ أتيتُها … كم تُشْرِقُ الظلماء من طلعة البدر
فراحَت كما راحَت خميلة ُ روضة ٍ … سقتها الغوادي المستهلّ من القطر
وما سرَّها شيءٌ كمقدمك الذي … يبدل منها صورة اليسرِ بالعسر
وكم فرح من بعد حزن وراحة … من النصب الجاني على العدل بالجور
فلا ذنبَ للأيام من بعد هذه … فقدْ جائت الأيام للناس بالعذر
تناءيتَ عنها لا ملالاً ولا قلى … ولكن رأيتَ الوصل من ثمر الهجر
وما غِبتَ عنها حين غِبتَ حقيقة … وكيف ولم تخرج هنيهة من فكر
رأيت مقاماً لا يرى الفرق عنده … من العالم النحير والجاهل الغمر
ولا بد للأشياء من نقدِ عارفٍ … يُمَيِّزُ بينَ الصِّفر والذَهَب التّبر
غضبتَ ولا يرضيكَ إلاّ نهوضه … إذا رَبَضَ اللَّيثُ الهَصورُ على الضُرِّ
يجرُّ عليها فيك أردية الفخر … تَتَبَّعُ آثار الخطوب وتستقري
وأقْلَعْتُ عن دارٍ جديرِ بأنَّها … تشينُ أباة الضيَّمْ فيها وإنْ تزري
وما زلت تطوي كلَّ بيداء نفنف … وتركبُ منها ظهر شاهقة وعر
وسرتَ إلى مجدٍ وسؤدد … فمن منزلٍ عزٍ إلى منزلٍ فخر
إلى الغاية القصوى التي ما وراءها … إذا عدَّتِ الغايات مأوى ً لذي حجر
نشرتَ بأرض الرّوم عِلماً طويته … بجنبيك حتى ارتاع في ذلك النشر
وسرَّ أميرُ المؤمنين بما رأى … ولاحَ وايم الله منشرح الصدر
أشارَ إليك الّدين أنَّك ركنه … وقال له الإسلامُ أشددْ به أزري
وما ظنَّت الرُّوم العراق بأنَّه … يجرُّ عليهما فيك أردية الفخر
وما شاد قسطنطين ما شدتَ من عُلى ً … مؤيَّدة تبقى على أبدِ الدهر
فدتك الأعادي من رفيع محلق … كأنَّ يبتغي وصلاً من الأنجم الزهر
كفى الروم فخراً لو دَرَتْ مثلما تدري … وهيهات أن تدري وهيهات أن تدري
بما قد حباك الله منه بفضله … من الهيبة العظمى ومن شرف النجر
وآيتك الآياتُ جئتَ بما انطوَتْ … عليها من الأسرار في السر والجهر
كشفت معمّها وخضت غمارها … وأنفَقْتَ في تفسيرها أنفس العمر
وأوضَحْتَ أسرار الكتاب بفطنة ٍ … تزيلُ ظلامَ الليل عن غرَّة الفجر
وقفت على إيضاح كلّ عويصة ٍ … مواقف لم تُعْرَف لزيد ولا عمرو
وأغنيتُ بالأسفار وهي كوامل … ثمانية ً عن ما حوت مائتا سفر
ومَن حاز ما قد حُزْتَ عِلماً فإنَّه … غنى ٌّ عن الدنيا مليٌّ من الوفر
إذا احتاجك السلطان تعلم أنَّه … بذلك يمتاز المقلُّ من المثري
أرى دولة ً أصبحت من علمائها … مؤيدة الأحزاب بالفتح والنصر
أرعْتَ أولي الألباب منها بحكمة … بروح أرسطاليس منها على ذعر
قضَتْ عجباً منها العقول بما رأت … وما بصرتْ يوماً بمثلك في عصر
برزتَ مع البرهان في كلّ موطن … من البحث لا يبقي اللباب مع القشر
فَأفْسَدْتَ للإلحاد أمراً دَحَضْتَه … فليسَ له فيها وليٌّ من الأمر
عذوبة ُ لفظ في فصاحة منطقٍ … وعينيك لولا حرمة الخمر كالخمر
ورُبَّ بيانٍ في كلامٍ تصوغُه … إذا لم يكن سحراً فضربٌ من السحر
وما زالت بالحسّاد حتى تركتها … وقد طُوِيَتْ منها الضلوعُ على الجمر
فتكتَ بها فتك الكميّ بسيفه … كما يفتك الإيمانُ في مِلّة الكفر
وكنتُ أُمَنِّي النفسَ فيك بأنْ أرى … صَديقَك في خير وخصمَك في شر
وما زال قولي قبل هذا وهذه … لعلّي أرى الأيامَ باسمة َ الثغر
فللّه عندي نعمة ٌ لا يفي بها … بما قد بلغت اليوم حمدي ولا شكري
وما نلتَ مقدار الذي أنت أهلُهُ … على عظم ما نَوَّلْت من رفعة القدر
كأنّي بقوم فارقوك فأصبحو … ولَوْعتُهم تذكو وعبْرَتُهم تجري
تحنُّ إلى مرآك في كلّ ساعة ٍ … فتأسفُ إنْ سافرت عنهم مع السفر
وإنْ سَمَحَتْ منهم بمثلك أنفسٌ … فما هي إلاّ أسْمَحُ الناس بالبرّ
وما صبرت عنك النفوس وإنّما … يصبّرها تعليلُ عاقبة الصبر
تَغَرَبْتَ عاماً طال كالشهر يومه … ويا ربَّ يوم كان أطول من شهر
تكلّفْتَ أمرً للحلاوة بعده … ولا تخطب الحسناء إلاّ على مهر
وإنّي بتذكاريك آناً فمثله … صريع مدام لا يفيق من السكر
مللتُ الثوى حتى طربت إلى النوى … وحتى رأيت الأرض أضيق من شبر
ولو أنّني أسطيعُ عنه تتزحزحاً … قذفتُ إليك العيسَ في المهمة القفر
وليس لنفسي عنك في أحدٍ غنى ً … وكيف يُرى الظامي غنياً عن البحر
بعثت إلينا بالحياة لأنفسٍ … على رَمَقٍ يدعو إلى البعث والنشر
فَضَمَّ إلينا من يعيد حياتنا … كما ضُمَّ شطرُ الشيء يوماً إلى شطر
فيا كثرَ ما قد نوَّلتنا يد المنى … وعادَتُها الإمساك بالنائل النزر
لتصفو لنا الدنيا فقد طاب عيشنا … وضاء محياها بأيامك الغر
أعادَتْ علينا العرف من بعد فقده … فلا قابَلَتْنا بعد ذلك بالنكر
نشيرُ إلى هذا الجناب كأنَّنا … نشيرُ إلى رؤيا الهلال من الفطر
وما كان يوم العيد بمثله … إذا كان في فطر وإنْ كان في نحر
وذلك يومٌ يعلمُ الله أنَّه … ليذهَبَ تعبيسُ الحوادث بالبشْرِ
لك الفضل والحسنى قريباً ونائياً … وأيدٍ لأيد من أناملها العشرِ
ولو حصدت أيديك فينا حصرتها … ولكنها ممّا يجلُّ عن الحَصْر