يا فاجعَ القومِ ماذا ينفعُ الحذرُ – مصطفى صادق الرافعي

يا فاجعَ القومِ ماذا ينفعُ الحذرُ … وقد عهدناكَ لا تبقي ولا تَذَرُ

جنتْ أناملكَ الأرواحَ فانتثرتْ … كما تناثرَ من أوراقهِ الزَّهَرُ

وما بمانعهم ما قدَروا وقضوا … وقبلَ كلِّ قضاءٍ في الورى قدرُ

من يتعظ فصروفُ الدهرِ موعظةٌ … وما مواعظِ دهرٍ كلّهُ عبرُ

يا لهفَ كابلَ ما فاجأتَ كافلها … حتى درى كلُّ قلبٍ كيفَ ينفطرُ

فجعتها وفجعتَ العالمينَ بها … حتى النجومُ وحتى الشمسُ والقمرُ

وجئت ضيغمها لكن بمخلبهِ … فما استطاعكَ ذاكَ الضيغمُ الهصِرُ

قد كانَ يزجي المنايا للعدا زمراً … واليومَ جئنَ لهُ من ربِّهِ الزمرُ

وكانَ يأتيهِ ريبُ الدهرِ معتذراً … واليومَ عنهُ صروفُ الدهرِ تعتذرُ

ما شبَّ في غيرِ الأحداثِ فكرتهُ … إلا أضاءت لهُ الأحداثُ والغيرُ

ولو روى الفلكُ الدوارُ حكمتهُ … لامستِ الشهبُ فيهِ كلها سورُ

والدهرُ يومّانٌ يومٌ كلهُ كَدَرٌ … لا صفوَ فيهِ ويومٌ بعضهُ كدرُ

وما تبسمَ للأيامِ مختبلٌ … إلا تفجَّعَ بالأيامِ مختبرُ

سلوا المآثرَ عنهُ فهي باقيةٌ … في كلِ قلبٍ لهُ من حبهِ أثرُ

واستخبروا الأرضَ ما للشمسِ كاسفةٌ … فما جهينةُ إلا عندها الخبرُ

يا شامخاً دكَّهُ ريبُ المنونِ أما اه … تزَّ الحطيمُ وركنُ البيتِ والحجرُ

هذي المدافعُ والأسيافُ ناطقةٌ … في الغربِ والهندِ بالأفغانِ تفتخرُ

طارت بنعيكَ في الإسلامِ بارقةٌ … فانهلَّ دمعُ بني الإسلامِ ينهمرُ

خطبُ قلوبِ الورى من حرِّ جاحمهِ … كأنَّ نار الوغى فيهنَّ تستعرُ

فما لأنباءِ هذا السلكِ خائنةٌ … حتى المدامعُ خانت سلكها الدررُ