يا صَارِمَ اللَّحْظِ مَنْ أَغْرَاكَ بِالمُهَجِ – محمود سامي البارودي

يا صَارِمَ اللَّحْظِ مَنْ أَغْرَاكَ بِالمُهَجِ … حَتَّى فَتَكْتَ بها ظُلْماً بلا حَرَجِ

ما زالَ يَخْدَعُ نَفْسِي وهْيَ لاهِيَة ٌ … حَتَّى أَصابَ سَوادَ الْقَلْبِ بِالدَّعَجِ

طَرفٌ ، لو انَّ الظُّبا كانت كلحظتِهِ … يومَ الكريهة ِ ، ما أبقت على وَدَج

أوحى إلى القلبِ ، فانقادَت أزِّمتهُ … طَوْعاً إِلَيْهِ، وخَلاَّنِي وَلَمْ يَعُجِ

فكيفَ لى بتلافيهِ ؟ وقَد علِقَتْ … بهِ حَبائلُ ذاكَ الشادنِ الغَنجِ

كادَتْ تُذِيبُ فُؤادِي نارُ لَوْعَتِهِ … لَوْ لَمْ أَكُنْ مِنْ مَسِيلِ الدَّمْعِ فِي لُجَجِ

لَوْلا الْفَوَاتِنُ مِنْ غِزْلانِ «كاظِمَة ٍ» … ما كانَ للحبِّ سُلطانٌ علَى المُهَجِ

فَهَل إلى صِلَة ٍ مِنْ غادِرٍ عِدَة ٌ … تَشْفِي تَبارِيحَ قَلْبٍ بِالْفِراقِ شَجِ

أَبيتُ أرعى نُجومَ اللَّيلِ فى ظُلَمٍ … يَخْشَى الضَّلاَلَة َ فيها كُلُّ مُدَّلِجِ

كَأَنَّ أَنْجُمَهُ والْجَوُّ مُعْتَكِرٌ … غِيدٌ بِأَخبِيَة ٍ يَنْظُرْنَ مِنْ فُرَجِ

لَيْلٌ غَياهِبُهُ حَيْرَى ، وأَنْجُمُهُ … حَسْرَى ، وساعاتُهُ في الطُّولِ كالْحِجَجِ

كأنَّما الصبحُ خافَ اللَّيلَ حينَ رأى … ظَلْماءَهُ ذاتَ أَسْدادٍ، فَلَمْ يَلِجِ

فَلَيْتَ مَنْ لامَنِي لانَتْ شَكِيمَتُهُ … فَكَفَّ عَنِّي فُضُولَ الْمَنْطِقِ السَّمِجِ

يظنُّ بى سفهاً أنِّى على سرفٍ … ولا يَكادُ يَرَى ما فيهِ مِنْ عِوَجِ

فاعْدِلْ عَنِ اللَّوْمِ إِنْ كُنْتَ امْرَأً فَطِناً … فاللَّوْمُ في الْحُبِّ مَعْدُودٌ مِنَ الْهَوَجِ

هيهاتَ يسلكُ لومَ العاذلينَ إلى … قلبٍ بحبِّ رسولِ اللهِ ممتزجِ

هُوَ النَّبِيُّ الَّذي لَوْلاَ هِدَايَتُهُ … لَكانَ أَعْلَمُ مَنْ فِي الأَرْضِ كَالهَمَجِ

أنا الَّذى بتُّ من وجدى بروضتهِ … أَحِنُّ شَوْقاً كَطَيْرِ الْبَانَة ِ الْهَزِجِ

هاجَتْ بذِكْرَاهُ نَفْسِي، فاكتَسَتْ وَلَهاً … وأى ُّ صبٍّ بذكرِ الشَّوقِ لمْ يهجِ ؟

فَمَا احْتِيَالِي؟ ونَفْسِي غَيْرُ صابِرَة ٍ … على البعادِ ، وهمِّى غيرُ منفرجِ

لا أستطيعُ براحاً إن هممتُ ، ولا … أَقْوَى عَلَى دَفْعِ ما بالنَّفْسِ مِنْ حوَجِ

لَوْ كانَ لِلْمَرْءِ حُكْمٌ في تَنَقُّلِهِ … ما كان إلاَّ إلى مغناهُ منعرَجِى

فهل إلى صلة ِ الآمالِ من سببٍ ؟ … أم هل إلى ضيقة ِ الأحزانِ من فرجِ ؟

يا ربِّ بالمصطفى هب لى وإن عظُمَت … جَرائِمِي رحْمَة ً تُغْنِي عَنِ الحُجَجِ

ولا تكلنى إلى نفسى فإنَّ يدى … مغلولة ٌ ، وصباحى غيرُ منبلجِ

ما لي سِواكَ، وأَنْتَ الْمُسْتعانُ إِذَا … ضَاقَ الزِّحامُ غَدَاة َ المَوْقِفِ الْحَرِجِ

لم يَبْقَ لِي أَمَلٌ إِلاَّ إِلَيْكَ، فَلاَ … تَقْطَعْ رَجائي، فَقَدْ أَشْفَقْتُ مِنْ حَرَجِي

كلمات: اسعد عبدالكريم

ألحان: طلال باغر

1988