يا بدرُ بادرْ إلى المنادي – محيي الدين بن عربي

يا بدرُ بادرْ إلى المنادي … كَفيتَ فاشكر ضُرّ الأعادي

قد جاءك النور فاقتبسه … ولا تعرِّج على السوادِ

فمنْ أتاهُ النضارُ يوماً … يزهدُ في الخطِّ بالمدادِ

فقم بوصف الإله وانظر … إليهِ فرداً على انفرادِ

وحصنِ السمعَ إذ تنادي … وخلصَ القولَ إذ تنادي

والبس لمولاك ثوبَ فقرٍ … كي تحظى بالواهب الجوادِ

وقلْ إذا جئته فقيراً … يا سيّداً ودّه اعتمادي

اسقِ شرابَ الوصالِ صباً … ما زال يشكو صدى البعاد

تاه زماناً بغير قوتٍ … إذ لم يشاهد سوى العباد

فكنْ لهُ القوتَ ما استمرتْ … أيامُه الغرُّ باقتصادِ

حتى يموت العذول صبراً … وتنطفي جمرة ُ البعادِ

ويعجبَ الناسُ منْ شخيصٍ … يكونُ بعدَ الضلالِ هادي

منْ كانَ ميتاً فصارَ حياً … فقد تعالى عن النفاد

ما خلعَ النعلَ غيرُ موسى … بشرطِها عندَ بطنِ وادِ

من خلعتَ نعله تناهت … رتبة ُ أقوالهِ السدادِ

فإن تكنْ هاشميَّ ورثٍ … فاسلكْ بها منهج السدادِ

والبس نعاليك إن من لم … يلبسْ نعالهِ في وهادِ

فهلْ يساوي المحيطُ حالاً … منْ لمْ يرَ العينَ في الرمادِ

فميز الحال إذ تراه … في مركب القدس في الغوادي

ورتب العلم إذ يناجي … سّرك بالسرِّ في الهوادي

وارقبهُ في وهمٍ كلِّ سيرٍّ … في ساترٍ إن أتى وبادي

ولا تشتتْ ولا تفرقْ … عبديه من حاضر وبادي

فإنْ وهبتَ الرجوعَ فرقْ … بين الحواضرِ والبوادي

واحذر بأنْ تركبَ المهارى … إذ تقرنُ العيرَ بالجوادِ

لا يحجبنكَ الشخوصُ واصبر … على مَهماته الشدادِ

وانظر إلى واهبِ المعاني … وقارنِ العينَ بالفؤاد

وأسند الأمر في التلقي … لهُ تكنْ صاحبَ استنادِ

ولا يغرنكَ قولُ عبدي … فالحقُّ في الجمعِ لا ينادي

وإنَّ هذا المقامُ أخفى … من عدمِ المثلِ للجوادِ

فكنهُ علماً وكنهُ حالاً … مع رائح إن أتى وغادي

وكنهُ نعتاً ولا تكنهُ … ذاتاً فعين المحال بادي

ولا تكنْ ذا هوى ً وحبٍّ … فيه فقلب المحب صادي

من بات ذا لوعة ٍ محباً … شكا له حرقة َ الجواد

وانظرْ بعينِ الفراقِ أيضاً … فيه ترى حكمة َ العِناد

وحكمة ُ الحزمِ والتواني … وحكمة السِّلم والجِلاد

فحكمة ُ الصدِّ لا يراها … سوى حكيمٍ لها وسادي

وانظر إلى ضاربٍ بعود … صفاة يبس فانساب وادي

واعجبْ لهُ واتخذُه حالاً … تجده كالنارِ في الزناد

فالماءُ للروحِ قوتُ علم … والجسمُ للنارِ كالمزادِ

فإن مضى الماء لم تجده … بدارٍ دنياكَ في المعادِ

وإن خبَت ناره عشاءً … فسوّ من مات في المهاد

أوضحتُ سراً إنْ كنتُ حراً … كنتُ به واري الزناد

من علم الحقَّ علمَ ذَوقٍ … لمْ يقرنِ الغيَّ بالرشادِ

فمنْ أتاه الحبيبُ كشفاً … لمْ يدرِ ما لذَّة ُ الرقادِ

مثلَ رسول الإله إذْ لمْ … يسكن له النومُ في فؤاد

لوْ بلغَ الزرعُ منتهاهُ … اشتغلَ القومُ بالحصادِ

أو نازلَ الحصنَ قومُ حربٍ … لبادر الناسُ للجهادِ

ناشدتك الله يا خليلي … هلْ فرشُ الخزِّ كالقتادِ

لا والذي أمرنا إليهِ … ما عندهُ الخيرُ كالفسادِ