وَفَدَ الرَّبِيعُ إِلَيْكِ قَبْلَ أَوَانِهِ – خليل مطران

وَفَدَ الرَّبِيعُ إِلَيْكِ قَبْلَ أَوَانِهِ … يُهْدِي حِلَى جَنَّاتِهِ الْفَيْحَاءِ

مِنْ كُلِّ بَارِعَةِ الْجَمَالِ يُرَى بِهَا … شَبَهٌ لِبَعْضِ خِلاَلِكِ الحَسْنَاءِ

فِي النَّظْمِ أَوْ فِي النَّثْرِ مِنْ طَاقَاتِهَا … لُطْفُ البَيَانِ وَرَوْنَقُ الإِخْفَاءِ

نَمَّ البَدِيعُ بِحُسْنِهَا فَرَأَى النُّهَى … مِنْ فَنِّهَا مَا لَيْسَ بِالمُتَرَائِي

أَبْهِجْ بِإِكْلِيلِ الزَّفَافِ وَقَدْ جَلاَ … لِلْعَيْنِ كُلَّ أَثِيرَةٍ غَرَّاءِ

لَوْ شِئْتِ صِيغَ مِنَ الفَرِيدِ وَمَا وَفَى … لَكِنْ أَبَيْتِ وَكَانَ خَيْرَ إِبَاءِ

هَلْ فِي يَدِ الدِّهْقَانِ أَبْهَجُ زِينَةً … مِنْ زِينَةِ البُسْتَانِ لِلْعَذْرَاءِ

صَفَتِ السَّمَاءُ فَخَالَفَتْ مِنْ عَهْدِهَا … وَالفَصْلُ لِلأَمْطَارِ وَالأَنْوَاءِ

شَفَّافَةً يُبْدِي جَمِيلُ نَقَائِهَا … مَا فِي ضَمِيركِ مِنْ جَمِيلِ نَقَاءِ

جَادَتْ عَلَيْكِ بِشَمْسِهَا وَكَأَنَّهَا … لَكِ تَسْتَقِلُّ جَلاَلَةَ الإِهْدَاءِ

هَذِي مَلِيكَاتُ الَّلآلِيءِ أَقْبَلَتْ … تَفْتَرُّ عَنْ قِطَعٍ مِنَ اللأْلاَءِ

بَادٍ صَفَاءُ القَطْرِ فِي قَسِمَاتِهَا … وَتَنَافُسِ الأَلْوَانِ وَالأَضْوَاءِ

ظَلَّتْ تَكَوَّنُ فِي حَشَى أَصْدَافِهَا … كَتَكَوُّنِ الأَنْوَارِ فِي أَفْيَاءِ

وَقَضَتْ عُصُوراً سَيِّدَاتِ بِحَارِهَا … يُسْعَى لَهَا مِنْ أَبْعَدِ الأَنْحَاءِ

حَتَّى إِذَا حُمِلَتْ إِليْكَ سَبِيَّةً … مَجْلُوبَةً فِي جُمْلَةِ الآْلاَءِ

وَجَدَتْ عَزَاءً فِي رِحَابِكِ طَيِّباً … عَنْ عَزِّهَا المَاضِي وَأَيَّ عَزَاءِ

بِلِقَائِهَا حُسْناً يُضَاعِفُ مَا بِهَا … مِنْ رَوْنَقٍ وَنَفَاسَةٍ وَبَهَاءِ

وَجِوَارِهَا شِيَماً كَرَائِمَ صُنْتِهَا … فِي خِدْرِ عِصْمَتِهَا عَنِ الرُّقَبَاءِ

لاَ غَرْوَ أَنَّ المَاسَ أَكْرَمُ جَوْهَرٍ … خَبَأَتْهُ أَرْضٌ مِنْ كُنُوزِ سَمَاءِ

كَمْ فِي مَنَاجِمِهِ تَسَهَّدَ كَوْكَبٌ … مُتَوَاقِّداً كَأَخِيهِ فِي الظَّلْمَاءِ

يَشْتَاقُ أَنْ يَلْقَى الصَّبَاحَ وَلَوْ تَوَى … وَيُسَاءُ أَنْ يَبْقَى سِرَاجَ مَسَاءِ

حَتَّى حَلِيتِ بِهِ فَقَرَّ مُنَعَّماً … وَغَدَا تَحَرُّقُهُ تَوَهُّجَ مَاءِ

وَلَعَلَّ مُنْفَرِداً بِجِيدِكِ عَالِقاً … مُتَفَوِّقاً قَدْراً عَلَى النُّظَرَاءِ

دُعِيَ اليَتِيمُ مِنَ التَّوَحُّدِ فَادَّعَى … حَقًّا عَلَيْكِ لِكُلِّ حِلْفِ شَقَاءِ

وَمِنَ الكِيَاسَةِ وَهْوَ أَصْلَبُ جَوْهَرٍ … أَنْ رَقَّ رِقَّةَ أَدْمُعِ الْفُقَرَاءِ

فَأَصَابَ عِنْدَكِ وَالشَّفَاعَةُ لاسْمِهِ … حَظَّ اليَتيمِ وَفَازَ بِالإِيوَاءِ

مَا يَغْلُ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِحِكْمَةٍ … جَلَّتْ غَلاَءَ المَاسِ فِي الأَشْيَاءِ

هُوَ بِالْمَتَانَةِ وَالسَّنَى مِرْآةُ مَا … بِكِ مِنْ وَفَاءٍ ثَابِتٍ وَذَكَاءِ

يَا مَعْدِنَ الذَّهَبِ الَّذِي فِي لَوْنِهِ … لِلشَّمْسِ مَسْحَةُ بَهْجَةٍ وَرُوَاءِ

يَا مُدْنِيَ الأَرَبِ البَعِيدِ مَنَالُهُ … وَلَقَدْ أَقُولُ مُنِيلُ كُلِّ رَجَاءِ

يَا مُرِخصاً مِنْ كُلِّ نَفْسٍ مَا غَلاَ … حَاشَا نُفُوسِ العِلْيَةِ النُّبَلاَءِ

إِنْ أَلَّهَتْكَ النَّاسُ كُنْ عَبْداً هُنَا … وَاخْضَعْ لِهذِي الشِّيمَةِ الشَّمَّاءِ

وَزِنَ الَّتِي دَفَعَتْ ضَلاَلَكَ بِالْهُدَى … وَسَوَادَ مَكْرِكَ بِاليَدِ البَيْضَاءِ

عَجباً أَرَى وَلَعَلَّ أَعْجَبَ مَا يُرَى … دُنْيَا الخَلاَئِقِ تَنْبَرِي لِفِدَاءِ

لماحَةً لِلْغَيْبِ شَاعِرَةً بِهِ … حَتَّى لَيَحْضُرُهَا الْخَفِيُّ النَّائِي

تِلْكَ الرَّوَاعِي كُلَّ أَخْضَرَ نَاعمٍ … مِنْ كُلِّ نَاعِمَةِ الْخُطَى مَلْسَاءِ

مَنْ بَثَّ فِيهَا وَهْيَ تَقْنِي قَزَّهَا … مِنْ بَذْلِهَا أَعَمَارَهَا بِسَخَاءِ

أَنَّ الَّذِي تَقْضِي شَهِيدَةَ نَسْجِهِ … لَكِ فِيهِ سَعْدٌ وَامْتِدَادُ بَقَاءِ

هَبَّتْ صَبِيَّاتُ المَزَارِعِ بُكْرَةً … يَخْطِرْنَ بَيْنَ السَّيْرِ وَالإِسْرَاءِ

مِنْ كُلِّ عَاصِيَةِ النُّهُودِ بِهَا تُقًى … مِطْوَاعَةِ الأَعْطَافِ ذَاتِ حَيَاءِ

نَادَى بِهَا الْبُشَرَاءُ حَيِّ عَلَى الْجَنَى … فَعَدَتْ تُلَبِّي دَعْوَةَ الْبُشَرَاءِ

وَالْقُطْنُ مُوفٍ ضَاحِكٌ بِبَياضِهِ … وَصَفَائِهِ مِنْ كُدْرَةِ الْغَبْرَاءِ

يَشْقُقْنَ مِثْلَ السِّتْرِ مِنْ جَنَبَاتِهِ … وَيَخُضْنَ شِبْهَ الْبَحْرِ في الأَثْنَاءِ

مُتَغَنِّيَاتٍ مِنْ أَهَازِيجِ الصِّبا … مَا شَاءَ وَحْيُ هَوَىً وَطِيبُ هَوَاءِ

يُنْشِدْنَ مِنْ وَصْفِ المَخِيلَةِ جَلْوَةً … لَعَرُوسِ شِعْرٍ زَيْنَةٍ هَيْفَاءِ

حُورِيَّةٍ عَيْنَاءَ أَبْهَى مَا يُرَى … فِي الْغِيدِ مِنْ حُورِيَّةٍ عَيْنَاءِ

وَفَرَ الإِلَهُ لَهَا الَعْطَاءَ فَلَمْ يَعُدْ … عَنْ بَابِهَا عَافٍ بِغَيْرِ عَطَاءِ

وَبِأَمْرِهَا تَعْرَى الْحُقُولُ فَتَنْثَنِي … أُمُّ الْعُرَاةِ بِمِيرَةٍ وَكِسَاءِ

تِلْكَ الَّتِي أَكْبَرْنَهَا وَنَعَتْنَهَا … بِأَحَاسِنِ الأَوْصَافِ وَالأَسْمَاءِ

كَانَتْ عَرُوسَ تَوَهُّمٍ فَتَحَقَّقَتْ … بِصِفَاتِهَا وَغَدَتْ مِنَ الأَحْيَاءِ

أَعَرَفْتَها فَلَقَدْ أَكُونُ بِمَسْمَعٍ … مِنْهَا أَقُولُ الشِّعْرَ وَهْيَ إِزَائِي

للهِ أًجْهِزَةُ الْحَدِيدِ مُدَارةً … تَأْتِي بِأَثْوابٍ زَهَتْ وَمُلاَءِ

عَجَبٌ ضَخَامَتُهَا وَدِقَّةُ صُنْعِهَا … كَمْ رِقَّةٍ معي غِلْظَةِ الأَعْضَاءِ

مَنْ كَانَ يَحْسِبُ أَنَّ عَنْتَرَةً يُرَى … مُتَفَوِّقاً ظَرْفاً عَلَى الشُّعَرَاءِ

قَالَ امْرُؤٌ مِنْ سَامِعِي ضَوْضَائِهَا … وَشُهُودِ تِلْكَ الْجَهْمَةِ السَّوْدَاءِ

إِنَّ ابْتِساماً لاَحَ مِنْهَا عِنْدَ مَا … جَاءَتْ بِهذِي الْحُلَّةِ البَيْضَاءِ

أَليَوْمَ عِيدٌ فِي تَقَاسُمِ حَظِّهِ … لِلْبَائِسِينَ رِضىً وَلِلسُّعَدَاءِ

مَا اسْطَاعَ فِيهِ الدَّهْرُ أَشْكَى كُلَّ ذِي … شَكْوَى وَهَادَنَ كُلَّ ذِي بُرَحَاءِ

عَمَّ السُّرُورُ وَتَمَّ حَتَّى لَمْ يَكَدْ … أَثَرٌ يُرَى لِتَفَرُّقِ الأَهْوَاءِ

كُلٌّ بِهِ مِنْ شَاهِدٍ أَوْ غَائِبِ … أَثْنَى عَلَيْكِ وَقَدْ ثَنَى بِدُعَاءِ

بِنتَ السَّلِيمِ وَجَلَّ مِنْ رَجُلٍ سَمَا … بِصَوَادِقِ العَزَمَاتِ وَالآرَاءِ

أَلفَخْرُ حَقُّ مَنِ الثُّرَيَّا أُمُّهَا … نَسَباً وَوَالِدُهَا أَخُو الْجَوَزَاءِ

مِنْ أُسْرةٍ هُمْ أَهْلُ كُلِّ مُروُءَةٍ … يَوْمَ الْحِفَاظِ وَأَهْلُ كُلِّ ثَنَاءِ

إِنْ عَالَنُوا لِتِجَارَةٍ فَلَطَالَمَا … بَذَلُوا النَّوَالَ الْجَمَّ رَهْنَ خَفَاءِ

بِتَرَفُّعِ عَنْ كُلِّ فَخْرٍ بَاطِلٍ … وَتَجَنُّبِ فِي البِرِّ لِلْغَوْغَاءِ

لِيَكُنْ لَكِ الْحَظُّ الَّذِي تَرْجِينَهُ … فَلَقَدْ ظَفِرْتِ بِأَكْرَمِ الأَكْفَاءِ

نَسْلِ الأَمَاجِدِ مِنْ أَمَاجِدِ قَدْ زَكَتْ … أَنْسَابُهُمْ فِي دَوْحَةِ العَلْيَاءِ