وَذِي حَدَبٍ يَلْتَجُّ بِالسُّفْنِ كُلَّمَا – محمود سامي البارودي
وَذِي حَدَبٍ يَلْتَجُّ بِالسُّفْنِ كُلَّمَا … زَفَتْهُ نَئُوجٌ؛ فَهْوَ يَعْلُو وَيَسْفُلُ
كأنَّ اطرادَ الموجِ فوقَ سراتهِ … نعائمُ في عرض السماوة ِ جفلُ
إِذَا شَاغَبَتْهُ الرِّيحُ جَاشَ عُبَابُهُ … وَ ظلَّ أعالي موجهِ يتجفلُ
يهيجُ ؛ فيرغو ، أوْ يعجُّ ، كأنما … تَخَبَّطَهُ مِنْ أَوْلَقِ الضِّغْنِ أَزْفَلُ
تَقَسَّمَهُ خُلْقَانِ: لِينٌ، وَشِدَّة ٌ … بِعَصْفَة ِ رِيحٍ، فَهْوَ دَاهٍ؛ وَأَرْفَلُ
علونا مطاهُ وَ هوَ ساجٍ ، فما انبرتْ … لَهُ الرِّيحُ حَتَّى ظَلَّ يَهْفُو، وَيَرْفُلُ
كأنا على أرجوحة ٍ ، كلما ونتْ … أحالَ عليها قائمٌ ، ليسَ يغفلُ
فَطَوْراً لَنَا في غَمْرَة ِ اللُّجِّ مَسْبَحٌ … وَطَوْراً لَنَا بَيْنَ السِّمَاكَيْنِ مَحْفِلُ
فَلاَ هُوَ إِنْ رُعْنَاهُ بِالْجِدِّ يَرْعَوِي … وَ لاَ إنْ سألناهُ الهوادة َ يحفلُ
عرونا فأبخلناهُ فضلَ حبائهِ … وَ منْ عجبٍ إمساكهُ وَ هوَ نوفلُ
قَلِيلٌ عَلى عَهْدِ الإِخَاءِ ثَبَاتُهُ … فَأَسْفَلُهُ عَالٍ، وَعَالِيهِ سَافِلُ
إذا حركتهُ غضبة ٌ ماتَ حلمهُ … وَظَلَّ عَلَى أَضْيَافِهِ يَتَأَفَّلُ
شَدِيدُ الْحُمَيَّا؛ يَرْهَبُ النَّاسُ بَطْشَهُ … وَلَكِنَّهُ مِنْ نَفْخَة ِ الرِّيحِ يُجْفِلُ
كَأَنَّ أَعَالِي الْمَوْجِ عِهْنٌ مُشَعَّثٌ … بِهِ، وَانْحِدَارَ السَّيْحِ شَعْرٌ مُفَلْفَلُ
ذَكَرْنَا بِهِ مَا قَدْ مَضَى مِنْ ذُنُوبِنَا … وَفِي النَّاسِ إِنْ لَمْ يَرْحَمِ اللَّهُ غُفَّلُ
وَكَيْفَ تُرَانَا صَانِعِينَ، وَكُلُّنَا … بِقَارُورَة ٍ صَمَّاءَ، وَالْبَابُ مُقْفَلُ؟
فلا تبتئسْ إنْ فاتَ حظٌّ ، فربما … أضاءتْ مصابيحُ الدجى وَ هيَ أفل
فَقَدْ يَبْرَأُ الدَّاءُ الْعُضَالُ، وَيَنْجَلِي … ضَبَابُ الرَّزَايَا، وَالْمُسَافِرُ يَقْفِلُ
وَكَيْفَ يَخَافُ الْمَرْءُ حَيْفاً، وَرَبُّهُ … بِأَحْسَنِ ما يَرْجُو مِنَ الرِّزْقِ يَكْفُلُ؟