وفى لي الحظُّ الَّذي كانَ يغدرُ – مهيار الديلمي

وفى لي الحظُّ الَّذي كانَ يغدرُ … وصحَّ ليَ الدَّهرُ الّذي كانَ يتغيرُ

وسالمي صرفُ القضاءِ وبيننا … فلولُ المواضي والقنا المتكسِّرُ

وحسَّنتُ ظنِّي في الزَّمانِ وأهلهِ … فأصبحتُ أرجو وصلَ منْ كنتُ أحذرُ

وعرَّفني فيمنْ رأى غاية َ العلا … فطالبها بالسَّعيِ كيفَ يشمِّرُ

وكيفَ يغارُ الحرُّ منْ ثلمِ مجدهِ … فيدعمهُ بالمكرماتِ ويعمرُ

حنُّواً وفي قلبِ الزَّمانِ قساوة ٌ … ورعياً لحقّي وابنُ أمّي يخفرُ

ورفداً هنيئاً تستقلُّ كثيرهُ … وودّاً وما تسني منَ الودِّ أكثرُ

عطاؤكَ كافٍ واعتذاركَ فضلة ٌ … وغيركَ لا يعطي ولا يتعذّرُ

وفيتَ لآباءٍ تكلَّفتَ عنهمُ … فضائلَ ما سنُّوا الفخارَ وسيَّروا

كرامٌ طواهمْ ما طوى النَّاسُ قبلهمْ … وأنتَ لهمْ منْ ذلكَ الطيِّ منشرُ

مضوا سلفاً واستخلفوكَ لذكرهمْ … خلوداً فلمْ يخزِ القديمَ المؤخرُ

وأبقوا حديثاً طيِّبا منكَ بعدهمْ … وقدْ علموا أنَّ الأحاديثَ تؤثرُ

وزنَّاهمُ بالنَّاسِ بيتاً وأنفساً … فزلَّتْ موازينٌ وزادوا وثمّروا

وجئتَ بمعنى زائدٍ فكأنّهمْ … وما قصَّروا عنْ غاية ِ المجدِ قصَّروا

وإنْ أبا ابقاكَ مجداً لعقبهِ … وإنْ عبطتهُ ميتة ٌ لمعمِّرُ

أقولُ لركبٍ كالأجادلِ طوَّحتْ … بهمْ قامصاتٌ كالأهلَّة َ ضمّرُ

على قممِ البيداءِ منها ومنهمُ … إذا خفقَ الآلُ الملاءُ المنشَّرُ

رمتْ بهمْ الحاجاتُ كلَّ مخوفة ٍ … إذا سارَ فيها النَّجمُ فهوَ مغرِّرُ

إذا الليلة ُ العمياءُ منها تصرَّمتْ … تولاَّهمُ يومٌ منَ التِّيهِ أعورُ

رأوا رزقهمْ في جانبٍ متغذِّرا … تطاولهُ أعناقهمْ وهي تقصرُ

خذوا منَ زعيمِ الملكِ عهداً على الغنى … وردُّوا المطايا فاعقلوها وعقِّروا

دعوا جانبَ البرِّ العسوفِ وحوِّموا … عل البحرِ بالآمالِ فالبحرُ أغزرُ

ولا تحسبوا أفعالَ قومٍ ذللتمُ … عليها كما تروي الأسامي وتذكرُ

فما كلُّ خضراءَ منَ الأرضِ روضة ٌ … ترادِ ولا كلُّ السَّحائبِ تمطرُ

ببغدادَ في دارِ السلامَ محجبٌ … على عادة ِ الأقمارِ يخفى ويظهرُ

إذا كتمتهُ رقبة ٌ أو مكيدة ٌ … وشى بمعاليهِ العطاء المشهَّرُ

كريمٌ يرى أنَّ الغنيَّ تركهُ الغنى … وأنَّ اتقاءَ الفقرِ بالفقرِ مفقرُ

غلامٌ إذا ما عدَّ أعدادَ سنّهِ … ويومَ قضاءَ الحزمِ شيخٌ موقَّرُ

تمرَّنَ طفلاً بالسِّيادة ِ مرضعا … يدرُّ عليهِ خلفها ويوفِّرُ

لهُ من مقاماتِ الملوكِ صدورها … يقدِّمُ فيها إذنهُ ويؤخرُ

زعيماً على التَّدبيرِ لاهو حاجة ً … يعانُ على أمرٍ ولا هوَ يؤمرُ

لهُ منْ سرايا رأيهِ ولسانهِ … إذا نازلَ الأقرانَ جيشٌ مظفَّرُ

وأهيفُ يسري في العظائمِ حدُّهُ … ومنظرهُ في العينِ يضوي ويصغرُ

ترى الرزقَ والآجالَ طوعَ قضيَّة ٍ … تخطُّ على أمريهما وتسطِّرُ

ومرٌّ على الشُّحناءِ حلوٌ على الرِّضا … وللضيمِ يحلو لي فلا يتمرَّرُ

ضحوكٌ إذا حكمتهُ متطلقٌ … وأشوسُ إنْ نازعتهُ متنمِّرُ

كفى الملكُ ما استكفتْ لحاظٌ جفونها … وأغناهُ ما أغنى عنِ الكفِّ منسرُ

وقامَ لهُ بالنُّصحِ يثبتُ رجلهُ … على زلقٍ فيهِ الفتى يتعثرُ

فإنْ شكرتَ كفٌّ بلاءَ مهنَّدٍ … قضى نذرها فالملكُ لا شكَّ يشكرُ

لكَ اللهُ مولى نعمة ٍ ومفيدها … وغارسها منْ حيثُ تزكو وتثمرُ

ومستعبداً حرَّ القلوب وفاؤهُ … وحرَّ الكلامِ مالهُ المتيسِّرُ

جرى الخلفُ إلاَّ في علاكَ فأبصرَ ال … مقلِّدَ فيها واستقالَ المقصِّرُ

وقالَ بقولي فيكَ كلُّ محدثٍ … يرى أنَّني ما قلتُ إلاَّ وأخبرُ

وعنَّفَ قومٌ حاسديكَ جهالة ً … وذمُّوا وهمْ بالحمدِ أولى وأجدرُ

إذا عرفوا الفضلَ الّذي حسدوا لهُ … فتلكَ لهمْ مجدٌ يعدُّ ومفخرُ

أعاذكَ منْ عينِ الكمالِ الّذي قضى … بهِ لكَ قسماً فهويقضي ويقدرُ

ولا غشيتَ ظلماءُ إلاّ وفجرها … برغمِ العدا عمّا تحبونَ يسفرُ

فما تصلحُ الدّنيا ومنْ غيركمْ لها … أميرٌ مطاعٌ أو وزيرٌ مدبِّرُ

ولا عدمَ المدحُ الموفّى أجورهُ … بكمْ وهو في قومٍ سواكمْ مسخَّرُ

مواسمُ في أبياتكمْ بعراصها … تحطُّ وعنها في الثَّناءِ تسيَّرُ

تناوبكمْ منهُ سحائبُ ثرَّة ٌ … تروحُ على أغراضكمْ وتبكِّرُ

تسوقُ مطاياها رياحٌ زكيَّة ٌ … بما حملتْ منْ وصفكمْ تتعطَّرُ

إذا عرضتها الصُّحفُ شكَّ رواتها … أوشيُ حريرٍ أمْ كلامٌ محبَّرُ

تفيدُ قلوبَ السَّامعينَ توقُّرا … لها واهتزازاً فهي تصحي وتسكرُ

إليكَ زعيمَ الملكِ لانتْ رقابها … وذلَّتْ وفيها عزَّة ٌ وتغشمرُ

رأتكَ لها أهلاً فلانَ عصيُّها … لديكَ وقالتْ في فنائكَ أُحشرُ

إذا زاركَ النيروزُ عطلاً فإنَّهُ … يطوِّقُ منْ أبياتها ويسوِّرُ

وغاليتَ في أثمانها فشريتها … ربيحاً فظنَّ الغمرُ أنَّكَ تخسرُ

إذا المرءُ أعطاني كرائمَ مالهُ … ليأخذَ شعري فهو منِّي أشعرُ