وصية من محتضر – بدر شاكر السياب

يا صمت يا صمت المقابر في شوارعها الحزينة
أعوي أصيح أصيح في لهف فأسمع في السكينة
ما تنثر الظلماء من ثلج وقار
تصدي عليه خطى وحيدات و تبتلع المدينة

أصداءهن كأن وحشا من حديد من حجار
سف الحياة فلا حياة من المساء إلى النهار
أين العراق و أين شمس ضحاه تحملها سفينة
في ماء دجلة أو بويب و أين أصداء الغناء

خفقت كأجنحة الحمام على السنابل و النخيل
من كل بيت في العراء
من كل رابية تدثرها أزاهير السهول
إن مت يا وطني فقبر في مقابرك الكئيبة

أقصى مناي و إن سلمت فإن كوخا في الحقول
هو ما أريد من الحياة فدى صحاراك الرحيبة
أرباض لندن و الدروب و لا أصابتك المصيبة

أنا قد أموت غدا فإنّ الداء يقرض غير وان
حبلا يشدّ إلى الحياة حطام جسم مثل دار

نخرت جوانبها الرياح و سقفها سيل القطار
يا إخوتي المتناثرين من الجنوب إلى الشمال

بين المعابر و السهول و بين عالية الجبال
أبناء شعبي في قراه و في مدائنه الحبيبة
لا تكفروا نعم العراق
خير البلاد سكنتموها بين خضراء و ماء

الشمس نور الله تغمرها بصيف أو شتاء
لا تبتغوا عنها سواها
هي جنة فحذار من أفعى تدب على ثراها
أنا ميت لا يكذب الموتى و أكفر بالمعاني

إن كان غير القلب منبعها
فيا ألق النهار
أغمر بعسجدك العراق فإنّ من طين العراق
جسدي و من ماء العراق