وتحمل عبء الفراشة – محمود درويش

ستقول : لا ، وتمزّق الألفاظ والنهر البطيء . ستلعن

الزمن الرديء ، وتخفي في الظلّ . لا للمسرح

اللغويّ . لا لحدود هذا الحلم . لا للمستحيل

تأتي إلى مدن وتذهب . سوف تعطي الظلّ أسماء

القرى . وتحذّر الفقراء من لغة الصدى والأنبياء .

وسوف تذهب … سوف تذهب ، والقصيدة

خلف هذا البحر والماضي . ستشرح هاجسا فيجيء

حرّاس الفراغ العاجزون الساقطون من البلاغة

والطبول

لنشيدك انكسرت سماء الماء . حطّاب وعاشقة ،

وينفتح الصباح على المكان . تواصل الكلمات

نسيانا تزوّج ألف مذبحة . يجيء الموت أبيض .

تهطل الأمطار . يتضح المسدّس والقتيل .

سيجيئك الشهداء من جدران لفظتك الأخيرة . يجلسون

عليك تاجا من دم ، ويتابعون زراعة التفاح

خارج ذكرياتك . سوف تتعب … سوف تتعب

سوف تطردهم فلا يمضون . تشتمهم فلا يمضون

يحتلّون هذا الوقت . تهرب من سعادتهم إلى وقت

يسير على الشوارع والفصول.

ويجيئك الفقراء . لا خبز لديك ، ولا دعاء ينقذ القمح

المهدّد بالجفاف . تقول شيئا ما عن الغضب الذي

زفّ السنابل للسيوف . تقول شيئا ما عن النهر

المخبّأ في عباءات النساء القادمات من الخريف .

فيضحكون ويذهبون ، ويتركون الباب مفتوحا

لأسئلة الحقول .

لنشيدك اتسعت عيون العاشقات . نعم تسمّي خصلة

القمح البلاد ، وزرقة البحر البلاد . نعم تسمّي

الأرض سيّدة من النسيان . ثم تنام وحدك بين

رائحة الظلال وقلبك المفقود في الدرب الطويل .

ستقول طالبة : وما نفع القصيدة ؟ شاعر يستخرج

الأزهار والبارود من حرفين . والعمال مسحوقون

تحت الزهر والبارود في حربين . ما نفع القصيدة

في الظهيرة الظلال ؟ تقول شيئا ما وتخطىء : سوف

يقترب النخيل من اجتهادي ، ثم يكسرك النخيل .

لنشيدك انتشرت مساحات البياض وحنكة الجلاّد .

تأتي دائما كالانتحار فيطلبون الحزن أقمشة .

وتأتي دائما كالانفجار فيطلبون الورد خارطة . ستأتي

حين تذهب ، ثم تأتي حين تذهب، ثم يبتعد

الوصول .

ستكون نسرا من لهيب، والبلاد فضاءك الكحليّ .

تسأل : ” هل أسأت إليك يا شعبي ؟ ” وتنكسر

السفوح على جناح النسر . يحترق الجناح على بخار

الأرض .تصعد ، ثم تهبط ، ثم تصعد ثم تدخل

في السيول

وتمرّ من كل البدايات احتفالا : ” هل أسأت إليك

يا زمني ؟ ” تغنّي الأخضر الممتدّ بين يدين

يابستين : تدخل وردة وتصبح : ما هذا الزحام؟ .

ترى دما فتصبح : من قتل الدليل ؟

وتموت وحدك .سوف تتركك البحار على شواطئها

وحيدا كالحصى . ستفرّ منك المكتبات ، السيّدات ،

الأغنيات ، شوارع المدن ، القطارات ، المطارات

البلاد تفرّ من يدك التي خلقت بلادا للهديل .

وتموت وحدك . سوف تهجرك البراكين التي كانت

تطيع صهيلك الدامي . وتهجرك اندفاعات الدم

الجنسيّ والفرح الذي يرميك للأسماك . يهجرك

التساؤل والتعامل بين أغنية وسجّان ويهجرك

الصهيل .

وسيدفنون العطر بعدك . يمنحون الورد قيدك .

يحكمون على الندى المهجور بالإعدام بعدك.

يشعلون النار في الكلمات بعدك . يسرقون الماء من

أعشاب جلدك . يطردونك من مناديل الجليل .

وتقول لا للمسرح اللغويّ

لا – لحدود هذا الحلم

لا للمستحيل