هُوَ الطَّيْفُ تُهْدِيهِ إِلى الصَّبِّ أَشْجانُ – الأبيوردي

هُوَ الطَّيْفُ تُهْدِيهِ إِلى الصَّبِّ أَشْجانُ … وَلَيْسَ لِسِرٍّ فيكَ يالَيلُ كِتمانُ

يُحَدِّثُ عَنْ مَسْراهُ فَجْرٌ وَبارِقٌ … أَفَجرُكَ غَدّارٌ وَبَرقُكَ خَوّانُ.

إذا أدَّرَعَ الظَّلماءَ نمَّ سَناهُما … عَلَيهِ، فَلَمْ يُؤْمَنْ رَقيبٌ وَغَيْرانُ

وَلَيلَة ِ نَعمانٍ وَشى البَرْقُ بِالهَوى … أَلا بِأبي بَرقٌ يَمانٍ وَنَعمانُ

سَرى وَالدُّجى مُرخى ً عَلَينا رِواقُها … يُلوّي المَطا وهنا كَما مارَ ثُعبانُ

وَنَحنُ بِحَيثُ المُزنُ حَلَّ نِطاقَهُ … وَرَفَّ بِحِضْنَيْهِ عَرارٌ وَحَوْذانُ

وَلِلرَّعْدِ إِعْوالٌ، وَلِلرّيحِ ضَجَّة ٌ … وَلِلدَّوْحِ تَصْفِيقٌ، وَلِلوُرْقِ إِرْنانُ

فَللّهِ حُزْوى حينَ أَيْقَظَ رَوْضَها … رَشاشُ الحَيا والنَّجْمُ في الأفْقِ وَسْنانُ

إذا ما النَّسيمُ الطَّلْقُ غَازَلَ بانَها … أَمالَ إلَيهِ عِطْفَهُ وَهْوَ نَشوانُ

ولَو لَمْ يَكُنْ صَوْبُ الغَمامِ مُدامَة ً … تُعَلُّ بِها حُزْوى لَما سَكِرَ البانُ

وَكَمْ في مَحاني ذلكَ الجِزْعِ مِنْ مَها … تُجاذِبُها ظِلَّ الأَراكَة ِ غِزلانُ

يَلُذْنَ إذا رُمْنَ القِيامَ، بِطاعة ٍ … مِنْ الخَصْرِ يَتلوها مِنَ الرِّدْفِ عِصْيانُ

وَيُخجِلنَ بالأَغصانِ بانَة ٍ … وَتَهزَأُ بِالكُثبانِ مِنْهُنَّ كُثْبانُ

سَقى اللّه عَصْراً قَصَّرَ اللَّهْوُ طُولَهُ … بِها، وَعَلَينا للِشَّبيبة ِ رَيعانُ

يَهَشُّ لِذِكراهُ الفُؤادُ، وَلَلهوى … تَباريحُ لا يُصغي إليهنّ سُلوانُ

وَتَصْبو إلى ذاكَ الزَّمانِ، فَقَد مضَى … حَميداً وَذُمَّتْ بَعْدَ رامَة َ أَزْمانُ

إذِ العَيْش غضٌّ ذُلِّلَتْ لي قُطوفُهُ … وَفَوْقَ نِجادِي لِلذَّوائِبِ قِنْوانُ

أَروحُ على وَصلٍ وَأَغدو بِمثلِهِ … وَوِرْدُ التَّصابي لَمْ يُكَدِّرْهُ هِجرانُ

وَأَصْحَبُ فِتياناً تَراهُمْ مِنَ الحِجى … كُهولاً وَهُمْ في المأزِقِ الضَّنكِ شُبانُ

يَخُبُّ بِنا في كُلِّ حَقٍّ وَباطِلٍ … أَغرُّ وَجيهيٌّ وَوَجناءُ مِذعانُ

كَأنّي بِهم فَوقَ المَجرّة ِ جالِسٌ … لي النَّجمُ خِدنٌ وابنُ مُزنَة َ نَدمانُ

وَكَأْسٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ رِداءَهَا … عَلَيها بِحَيثُ الشُّهْبُ مَثْنى وَوُحدانُ

إذا استَرقَصَ السَّاقي بَمَزجٍ حَبابها … تَرَدّى بِمثلِ اللُّؤلؤِ الرَّطبِ عقيانُ

فيا طِيبَها والشَّربُ صاحٍ وَمنتَشٍ … تَخِفُّ بِها أَيدٍ، وَتَثقُلُ أَجفانُ

دَعاني إليها مِن خُزَيمَة َ ماجِدٌ … يَزُرُّ عَلى ابن الغابِ بُرْدَيْهِ عَدْنانُ

كَثيرٌ إليهِ النّاظِرونَ إذا بَدا … قَليلٌ لَهُ في حَوْمَة ِ الحَرْبِ أقرانُ

رَزينُ حُصاة ِ الحِلمِ، لا يَستَزِلُّهُ … مُدامٌ، وَلا تُفشي لهُ السِّرَّ أَلحانُ

إذا رَنَّحَتْهُ هِزَّة ُ المَدْحِ أَخْضَلَتْ … سِجالُ أَيَادِيهِ، وَلِلحَمْدِ أَثْمانُ

تُروِّي غَليلَ المُرْهَفاتِ يَمينُهُ … إذا التَثَمَتْ في الرَّوعِ بِالنَّقعِ فُرسانُ

وَمُلْتَهباتٍ بالوَميضِ يُزيرُها … مَوارِدَ يهديها إلَيْهنَّ خِرْصانُ

تَحومُ عَلى اللَّبَّاتِ حَتّى كَأَنَّها … إذا أُشْرِعَتْ للِطَّعْنِ فيهنَّ أَشْطانُ

بِيوْمٍ تَرى الرّاياتِ فيهِ كَأَنَّها … إذا ساوَرَتْها خَطْرة ُ الرِّيح عِقبانُ

إذا ما اعْتَزَى طارَتْ إلى الجُرْدِ غِلْمَة ٌ … نَماهُمْ إلى العَلياءِ جِلدٌ وَرَيّانُ

سَأَلْتُهُمُ: مَنْ خَيْرُ سعْدِ بنِ مالِكٍ … إذا افتخَرَتْ في نَدوة ِ الحَيِّ دوُدان

فَقالُوا: بِسَيْفِ الدَّوْلَة ابنِ بَهائِها … تُناضِحُ عَدنانٌ إذا جاشَ قَحْطانُ

قَريعا نِزارٍ في الخُطوبِ، إذا دَجَتْ … أَضاءَتْ وُجوهٌ، كَالأَهلَّة ِ غُرَّانُ

يَلوذُ بَنو الآمالِ في كَنَفَيْهما … عَلى حينَ لاتَفْدي العَراقِيبَ أَلْبانُ

بِلَيثَي وغى ً، غَيثَي نَدى ً، فَكِلاهُما … لَدى المَحْلِ مِطْعامٌ، وفي الحَرْبِ مِطْعانُ

هُما نَزَلا مِنْ قَلْبِ كُلِّ مُكاشِحٍ … بِحَيثُ تُناجي سَورة َ الهَمِّ أَضعانَ

مِنَ المَزْيَدِيّينَ الأُلَى في جَنابِهمْ … لِمُلْتَمِسي المَعْروفِ أَهْلٌ وأَوطانُ

نَماهُم أَبو المِظفارِ وَهْوَ الّذي احتمَى … بِهِ حاتِمٌ إذْ شُلَّ لِلْحَيِّ أَظْعانُ

لَهُمْ سَطَواتٌ يَلْمَعُ المَوتُ خَلفَها … وَظِلٌّ حَبا مِنْ دُونِهِ الأَمْنُ فَينانُ

وَأَفْنِيَة ٌ مُخضَرَّة ٌ عَرَصاتُها … تَزَاحَمَ سُؤَّالٌ عَلَيها وَضِفانُ

ذَوُو القَسَماتِ البِيضِ وَالأُفْقُ حالِكٌ … مِنَ النَّقْعِ كاسٍ وَالمُهنَّدُ عُريانُ

وَأَهلُ القِبابِ الحُمْرِ والنَّعَمِ التي … لَها العِزُّ مَرْعى ً وَالأَسِنَّة ُ رُعْيانُ

وَخَيلٍ عَلَيها فِتْيَة ٌ ناشِرِيَّة ٌ … طَلائِعُهُمْ مِنْها عُيونٌ وَآذانُ

هُمُ مَلَؤوا صَحْنَ العِراقِ فَوارِساً … كَأَنَّهُمُ الآسادُ، وَالنَّبْلُ خَفَّانُ

يَخوضُ غِمارُ المَوْتِ مِنْهُمْ غَطارِفٌ … رِزانٌ لَدى البيضِ المَباتيرِ شُجعانُ

بِكُلِّ فَتى ً مُرْخَى الذُّؤابَة ِ باسِلٍ … عَلى صَفْحَتيهِ لِلنَّجابَة ِ عُنوانُ

يُجَرِّرُ أَذيالَ الدُّروعِ، كَأَنَّهُ … غَداة َ الوَغى صِلٌّ تُوارِيهِ غُدْرانُ

وَيُكرِمُ نَفساً، إنْ أُهينَتْ أَراقَها … بِمُعْتَرَكٍ يُروي القَنا وَهْوَ ظَمآنُ

لَهُ عِمَّة ٌ لَوْثْاءُ تَفْتَرُّ عَنْ نُهى ً … عَلِمنا بِها أَنَّ العَمائِمَ تيجانُ

إذا مارمَى تاجُ المُلوكِ بِهِ العِدا … تَوَلَّوا كَما ينصاعُ بالقاعِ ظِلْمانُ

أَغَرُّ، إذا لاحَت أسِرَّة ُ وجههِ … تَبَلَّجْنَ عَنْ صُبْحٍ، وَلِلَّيْلِ إجْنانُ

مَنيعُ الحِمَى ، لا يَخْتِلُ الذِئْبُ سَرْحَهُ … وَمِنْ شِيمِ السِّرحانِ خَتْلٌ وَعُدوانُ

لَهُ هَيبة ٌ شِيبت بِبشرٍ كَما التَقَتْ … مِياهٌ بِمَتْنِ المَشْرَفيِّ وَنيرانُ

وَبَيْتٌ يمِيسُ المَجْدُ حَوْلَ فِنائِهِ … وَجيرانُهُ لِلأَنجُمِ الزُّهرِ جيرانُ

فَأَطْنابُهُ أَسْيافُهُ، وَعِمادُهُ … رُدَينِيَّة ٌ مُلْسُ الأَنَابيبِ مُرَّانُ

وَلَو كانَ في عَهْدِ الأَحاليفِ أَعْصَمَتْ … بِهِ أَسَدٌ يَوْمَ النِّسارِ وذَبْيانُ

أَيا خَيرَ مَنْ يَتلوهُ في غَزَواتِهِ … على ثِقَة ٍ بالشَّبعِ، نَسرٌ وسِرحانُ

دَعَوْتُكَ لِلْجُلَّى فَكَفْكَفَ غَرْبَها … هُمامٌ، أَياديهِ على الدَّهرِ أَعوانُ

رَفعتَ لِصَحبي ضوءَ نارٍ عَتيقة ٍ … بِهَا يَهتدي السّارونَ والنَّجْمُ حَيرانُ

وَفاءَ عَلَيْهمْ ظِلُّ دَوْحَتِكَ الّتي … تُناصي السُّها مِنها فُروعٌ وَأَفْنانُ

فَلَمْ يَذْكُروا الأوْطانَ وَهْيَ حَبيبَة ٌ … إلَيْهمْ، وَلا ضاقَتْ عَلى العِيسِ أَعطانُ

ومَا المَجْدُ إلاّ نَبْعَة ٌ خِنْدِفِيَّة ٌ … لهَا العُرْبُ جِيرانٌ وَدودانُ أَغْصانُ