هَل مِن طبيبٍ لِداءِ الحُبِّ ، أوراقِى ؟ – محمود سامي البارودي

هَل مِن طبيبٍ لِداءِ الحُبِّ ، أوراقِى ؟ … يَشفِى عَليلاً أخا حُزنٍ وإيراقِ

قَدْ كَانَ أَبْقَى الْهَوَى مِنْ مُهْجَتِي رَمَقاً … حَتَّى جَرَى الْبَيْنُ، فَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَاقِي

حُزنٌ بَرانِى ، وأشواقٌ رَعَت كَبِدِى … يا ويحَ نَفسِى مِن حُزنٍ وأشواقِ

أُكلِّفُ النَفسَ صَبراً وهى جازِعة ٌ … والصَّبْرُ فِي الْحُبِّ أَعْيَا كُلَّ مُشْتاقِ

لافى “سَرنديبَ” لِى خِلٌّ ألوذُ بِهِ … ولا أنيسٌ سِوَى هَمِّى وإطراقِى

أبيتُ أرعَى نَجومَ الَّليلِ مُرتَفِقاً … فِي قُنَّة ٍ عَزَّ مَرْقَاهَا عَلَى الرَّاقِي

تَقَلَّدَت مِنْ جُمانِ الشُهبِ مِنطَقَة ً … مَعقودة ً بِوشاحٍ غَيرِ مِقلاقِ

كأنَّ نَجمَ الثُريَّا وهوَ مضطرِبٌ … دُونَ الْهِلاَلِ سِرَاجٌ لاَحَ فِي طَاقِ

ولا بَرِحتِ مِنَ الأوراقِ فى حُلَلٍ … مِن سُندُسٍ عَبقَرِى ِّ الوَشى ِ بَرَّاقِ

يا حَبَّذا نَسَمٌ مِنْ جَوِّها عَبِقٌ … يَسرِى عَلى جَدولٍ بِالماءِ دَفَّاقِ

بَل حَبَّذا دَوحَة ٌ تَدعو الهَديلَ بِها … عِندَ الصَّباحِ قَمارِى ٌّ بِأطواقِ

مَرعَى جِيادِى ، ومَأوى جِيرتِى ، وَحِمى … قَوْمِي، وَمَنْبِتُ آدَابِي وَأَعْرَاقِي

أصبو إليها عَلى بُعدٍ ، ويُعجِبُنِى … أنِّى أعيشُ بِها فى ثَوبِ إملاقِ

وكيفَ أنسى دِياراً قد تَركتُ بِها … أَهْلاً كِراماً لَهُمْ وُدِّي وَإِشْفَاقِي؟

إذا تَذكَّرتُ أيَّاماً بِهِم سَلَفتْ … تَحَدَّرت بِغروبِ الدَّمعِ آماقِى

فَيا بريدَ الصَّبا بَلِّغ ذَوى رَحمِى … أنِّى مُقيمٌ على عَهدِى ومِيثاقِى

وَإِنْ مَرَرْتَ عَلى «الْمِقْيَاسِ» فَاهْدِ لَهُ … مِنِّى تَحِيَّة َ نَفسٍ ذاتِ أعلاقِ

وأنتَ يا طائراً يَبكِى على فَننٍ … نَفْسِي فَدَاؤُكَ مِنْ سَاقٍ عَلَى سَاقِ

أذكرتني ما مضى والشملُ مجتمعٌ … “بمصر” زالحربُ لم تنهضْ على ساقِ

أَيَّامَ أَسْحَبُ أَذْيَالَ الصِّبَا مَرِحاً … فِي فِتْيَة ٍ لِطَرِيقِ الْخَيْرِ سُبَّاقِ

فيا لَها ذُكرة ً‍ شَبَّ الغرامُ بِها … ناراً سَرَتْ بينَ أردَانِى وأطواقِى

عَصرٌ تَولَّى ، وأبقَى فى الفؤادِ هَوًى … يَكَادُ يَشْمَلُ أَحْشَائِي بِإِحْرَاقِ

والمَرءُ طَوعُ اللَّيالِى فى تَصَرُّفِها … لاَ يَمْلِكُ الأَمْرَ مِنْ نُجْحٍ وَإِخْفَاقِ

عَلَيَّ شَيْمُ الْغَوَادِي كُلَّمَا بَرَقَتْ … وما عَلى َّ إذا ضَنَّت بِرَقراقِ

فَلا يَعِبنِى حَسودٌ أن جَرى قَدَرٌ … فَلَيْسَ لِي غَيْرُ مَا يَقْضِيهِ خَلاَّقِي

أسلَمتُ نَفسِى لِمولًى لا يخيبُ لَهُ … راجٍ عَلى الدَهرِ ، والمولى هو الواقى

وهوَّن الخطبَ عندى أنَّني رجلٌ … لاَقٍ مِنَ الدَّهْرِ مَا كُلُّ امْرِىء ٍ لاَقِي

يا قَلبُ صَبراً جَميلاً ، إنَّهُ قَدَرٌ … يَجرِى عَلى المَرءُ مِنْ أسرٍ وإطلاقِ

لا بُدَّ لِلضيقِ بَعدَ اليأسِ من فَرَجٍ … وكُلُّ داجِية ٍ يَوماً لإشراقِ