هَلْ بالْحِمى عنْ سَريرِ الْمُلْكِ مَنْ يَزَعُ؟ – محمود سامي البارودي

هَلْ بالْحِمى عنْ سَريرِ الْمُلْكِ مَنْ يَزَعُ؟ … هَيهاتَ ، قَد ذَهَبَ المتبوعُ والتَبَعُ

هَذِي «الْجَزِيرَة ُ» فَانْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَداً … يَنْأَى بِهِ الْخَوْفُ، أَوْ يَدْنُو بِهِ الطَّمَعُ؟

أضحَتْ خَلاءً ، وكانَت قَبلُ مَنزِلة ً … لِلْمُلْكِ، مِنْهَا لِوَفْدِ الْعِزِّ مُرْتَبَعُ

فلا مُجيبَ يَردُّ القَولَ عَن نَبأٍ … ولا سَميعَ إذا نادَيتَ يَستَمِعُ

كَانَتْ مَنَازِلَ أَمْلاَكٍ، إِذَا صَدَعُوا … بِالأمرِ كادَتْ قُلوبُ الناسِ تَنصَدِعُ

عَاثُوا بِهَا حِقْبَة ً، حَتَّى إِذَا نَهَضَتْ … طَيرُ الحَوادِثِ مِن أوكارِها وَقعوا

لَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا مِقْدَارَ مَا فَغَرَتْ … بِهِ الْحَوَادِثُ مَا شَادُوا، وَلاَ رَفَعُوا

دارَت عَليهِم رَحى الأيَّامِ ، فانشَعبوا … أيدى سَبا ، وتَخَلَّت عَنهمُ الشِيعُ

كانت لَهُم عُصَبٌ يَستدفِعونَ بِها … كَيْدَ الْعَدُوِّ، فَمَا ضَرُّوا، وَلاَ نَفَعُوا

أينَ المَعاقِلُ ، بل أينَ الجحافلِ ، بل … أينَ المناصِلُ والخطِّيَّة ُ الشَرَعُ

لاَ شَيْءَ يَدْفَعُ كَيْدَ الدَّهْرِ إِنْ عَصَفَتْ … أحداثه ، أو يقِى مِن شرِّ ما يَقَعُ

زَالُوا، فَما بَكَتِ الدُّنْيَا لِفُرْقَتِهِمْ … ولا تعطَّلَت الأعيادُ والجُمَعُ

والدَهرُ كالبَحرِ لا ينفكُّ ذا كَدَرِ … وإنَّما صَفوهُ بينَ الورى لُمَعُ

لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ فِكْرٌ فِي عَوَاقِبِهِ … ما شانَ أخلاقَهُ حِرصٌ ولا طَبَعُ

وكَيْفَ يُدْرِكُ مَا فِي الْغَيْبِ مِنْ حَدَثٍ … من لَم يَزَل بِغرورِ العَيشِ يَنخَدِعُ

دَهْرٌ يَغُرُّ، وَآمَالٌ تَسُرُّ وَأَعْـ … مارٌ تَمُرُّ ، وأيَّامٌ لها خُدَعُ

يَسْعَى الْفَتَى لأُمُورٍ قَدْ تَضُرُّ بِهِ … وَلَيْسَ يَعْلَمُ مَا يَأْتِي وَمَا يَدَعُ

يأيها السَادِرُ المُزوَرُّ مِن صَلَفٍ … مَهْلاً، فَإِنَّكَ بِالأَيَّامِ مُنْخَدِعُ

دَعْ مَا يَرِيبُ، وَخُذْ فِيمَا خُلِقْتَ لَهُ … لَعَلَّ قَلبكَ بِالإيمانِ يَنتَفِعُ

إِنَّ الْحَيَاة َ لثَوْبٌ سَوْفَ تَخْلَعُهُ … وكلُّ ثوبٍ إذا ما رثَّ ينخَلِعُ