هيَ الأيامُ صِحَّتُها سَقامُ – سبط ابن التعاويذي

هيَ الأيامُ صِحَّتُها سَقامُ … وغاية ُ من يعيشُ بها الحِمامُ

إذا وصلَتْ فليسَ لها وفاءٌ … وَإنْ عَهِدَتْ فَلَيْسَ لَهَا ذِمَامُ

رَضِعْنَاهَا وَتَفْطِمُنَا الْمَنَايَا … بها ولكلِّ مُرتَضِعٍ فِطامُ

فلا تَسْتَوْطِ من دنياكَ ظَهراً … بكَفِّ النائباتِ لها زِمامُ

فليسَ لها وإنْ ساءَتْ وسَرَّتْ … عَلَى حَالَيْ تَلَوُّنِهَا دَوَامُ

أَباطيلٌ تُصوِّرُها الأماني … وَأَحْلاَمٌ يُمَثِّلُهَا الْمَنَامُ

ألا يا ظاعِنينَ وفي فؤادِ المُحبِّ لوَشْكِ بَينِهمِ ضِرامُ … ـمُحِبِّ لِوَشْكِ بَيْنِهِمِ ضِرَامُ

ترى يدنو بكمْ من بعدِ شَحْطٍ … مَزارٌ أو يُلِمُّ بكمْ لِمامُ

وهل لزمانِ وَصلِكُمُ مَعادٌ … وهلْ لصُدوعِ شَملِكُمُ الْتِيامُ

قِفُوا قَبْلَ الْوَدَاعِ تَرَوْا نُحُولاً … جَنَاهُ على مُحبِّكُمُ الغَرامُ

وممّا زادَني قلَقاً فجَفْني … لهُ دامٍ وقلبي مُستَهامُ

رَزيئة ُ من تهونُ لها الرزايا … وتصْغَرُ عندَها النُّوَبُ العِظامُ

كأنَّ وَقارَها يومَ اسْتقلَّتْ … بها الأعناقُ رَضْوَة ُ أو شَمَامُ

تَسِيرُ عَلَى الْمُلُوكِ لَهَا کحْتِشَامٌ … وللآمالِ حَوْلَيْها ازدِحامُ

برَغمي أنْ تَبيتَ على مِهادٍ … حَشَايَاهُ الْجَنَادِلُ وَالرَّغَامُ

وَأَنْ تُمْسِي وَضِيقُ اللَّحْدِ دَارٌ … لَهَا وَحِجَابُهَا فِيهِ الرُّخَامُ

وأنْ تَنوي إلى سفَرٍ رَحيلاً … ولم تُرفَعْ لنِيَّتِها الخِيامُ

فأيَّ حِمى ً أباحَتْهُ الليالي … ولم يكُ عِزُّهُ مما يُرامُ

رمَتْهُ منَ الحوادثِ كَفُّ رامٍ … مُصيبٍ لا تَطيشُ لهُ سِهامُ

فَمَا أَغْنَتْ أَسِنَّتُهَا الْمَوَاضِي … ولا منعَتْ عَشيرَتُها الكِرامُ

فَلاَ جُودٌ غَدَاة َ ثَوَيْتٍ يُرْجَى … مَخِيلَتُهُ وَلاَ كَرَمٌ يُشَامُ

وسِيمَتْ بعدَكِ العَلياءُ ضَيْماً … وَكَانَتْ فِي حَيَاتِكِ لاَ تُضَامُ

وَكُنْتِ النَّجْمَ جَدَّ بِهِ أُفُولٌ … وَشَمْسُ الأَرْضِ وَارَاهَا الظَّلاَمُ

وَبَدْرُ التِّيمِّ عَاجَلَهُ سَرَارٌ … وأسلَمَهُ إلى النقصِ التَّمامُ

كريمة َ قَومِها لو أنَّ خَلْقاً … يَكُونُ لَهُ عَنِ الْمَوْتِ کعْتِصَامُ

لَحَامَتْ عَنْكِ أَسْيَافٌ حِدَادٌ … وَجُرْدٌ فِي أَعِنَّتِهَا صِيَامُ

وَلَوْ دَفَعَ الرَّدَى الْمَحْتُومَ بِأْسٌ … وَإقْدَامٌ وَرَأْيٌ وَکعْتِزَامُ

وقاكِ حِمامَكِ البطلُ المُحامي … أَبُوكِ وَعَمُّكِ اللَّيْثُ الْهُمَامُ

وَقَارَعَ مِنْ بُنَاة ِ الْمَجْدِ آلَ الْـ … ـمُظَفَّرِ عَنْكِ أَنْجَادٌ كِرَامُ

بكلِّ يدٍ يكادُ يذُوبُ فيها … لشدّة ِ بأسِ حاملِهِ الحُسامُ

حلَلْتِ بمُوحِشِ الأرجاءِ قَفْرٍ … غدا ما للأَنيسِ بهِ مُقامُ

وَلاَ ضَحِكَ الثَّرَى مُذْ بِنْتَ عَنْهُ … بنُوّارٍ ولا هطلَ الغَمامُ

وَلاَ مَالَتْ بِدَوْحَتِهَا غُصُونٌ … ولا غنَّتْ على الأَيْكِ الحَمامُ

وَلاَ خَطَرَتْ عَلَى رَوْضٍ شَمَالٌ … ولا سفَرَتْ عنِ النَّورِ الكِمامُ

مَضَيْتِ سَلِيمَة ً مِنْ كُلِّ عَابٍ … على قبرٍ حلَلْتِ بهِ السَّلامُ