هل عند ريح الصبا من رامة ٍ خبرُ – مهيار الديلمي

هل عند ريح الصبا من رامة ٍ خبرُ … أم طاب أن صاب روضاتِ اللوى المطرُ

علامة ٌ لك من أمّ الوليد أتت … تعلو الرياحُ بها والمزن تنحدرُ

كأنّ ما هبَّ عطرياً مجاسدها … منفوضة ً وكأنّ البارقَ الأشرُ

هوى ترامت به الأيام تبعدهُ … و قربته لك الأياتُ والذكرُ

و نازلٌ باللوى يسليك صورتهُ … تيهُ الطريق وينسيك اسمهُ الحذرُ

سرى إلى الشرق مشتاقا وما فقدتْ … عينٌ له بلوى خبتٍ ولا أثرُ

يجشمُ البدرَ أن يشقى برؤيته … و يلبسُ الليلَ زوارا فيعتكرُ

ما استوطن البيدَ لولا أنه رشأٌ … و ما امتطى الليلَ لولا أنه قمرُ

يا منة ً للكرى لولا حلاوتها … ما ذمَّ وهو وفاءٌ في الهوى السهرُ

مدَّ الظلامُ بها قبلَ الصباح يدا … بيضاءَ بانَ بها من أمسه السحرُ

في الضاربين على البلقاءِ بادية ً … يسبى لها الحرَّ من أبنائه الحضرُ

تصبى الأحاديثُ عنها وهي نازحة ٌ … و السمعُ يعلق ما لا يعلق البصرُ

سمراءُ غارتْ عليها وهي تشبهها … في القدّ واللون تحميها القنا السمرُ

تلينُ خلقاً ويحفو خلقها فكأنْ … في جسمها الماءِ ألقي قلبها الحجرُ

سعدية تدعى أن الوفاءَ لها … من صلب حاجبَ حبلٌ ليس ينبتر

فما لها وفؤادي في خفارتها … و الشوقُ يرعاه ظلما ليس ينتصرُ

لو شاء يعدُ جواري وهو مطرحٌ … من شاء قال التميميون قد غدروا

ما أنكرتْ أم خير وهي معرضة … أغيرَ أنْ لونتْ من لمتي الغيرُ

وَ في الصبا للهوى إذ كان حالفه … لا يحلقُ الحبُّ حتى يحلقَ الشعرُ

أرى المنى بعدُ تملى لي سوالفها … و قد المشيب الذي استقبلتُ مزدجرُ

أشتاق حاجاتيَ الأولى َ وتجذبني … إلى اتباع النهى حاجاتيَ الأخرُ

ما أشرفَ الحلمَ لولا ثقل محملهِ … و أجملَ الصمتَ لولا قولهم حصرُ

و ما أعزَّ الفتى في ظلَّ عفتهِ … لو شوور الحزمُ أو لو صحت الفكرُ

ما لكَ في الحرصِ إلا فضلُ ذلتهِ … و الرزقُ يفعل فيه ما اشتهى القدرُ

خلقانِ في هذه الدنيا معاسرة ٌ … ما طولبتْ وبها إن توركت يسرُ

قنعتُ منها بما بلَّ الصدى كبراً … من همتي ظنَّ قومٌ أنه صغرُ

أسوفُ العيشَ حسنَ الظنَّ أجبرهُ … على فسادٍ وجبرُ الظنَّ منكسرُ

مرقعا بالمنى أرجو غدا فغدا … تأتي الحظوظُ وحظي بعدُ منتظرُ

رضا بنفسي أو ودَّ امرئ ثقة ٍ … أغنى به وغنيُّ المالِ مفتقرُ

و إن مدحتُ ففخرٌ لا أعابُ به … و لا يكذبُ إخباري به الخبرُ

إذا غلوتُ بقولٍ فيه لم ترني … إلى المروءة فيما قلتُ أعتذرُ

حدثْ بفضلِ بني عبد الرحيم وما … طابوا على قدمِ الدنيا وما كثروا

و استشهد الصحفَ الأولى بما نقلت … عنهم وما قصت الآثارُ والسيرُ

المكتفين إذا غابوا بشهرتهم … عن الشهادة والكافين ما حضروا

أبناء ذروة هذا الملك قد فرعوا … سنامه يطلبون النجمَ ما انحدروا

تملكوا قربَ الدنيا وشرعتها … لا يردُ الناسُ إلا كلَّ ما صدروا

لا تستخفهم الأحداثُ إن طرقت … عن الحلومِ ولا يطغيهم البطرُ

إذا بلوتَ تقاهم أو بصائرهم … في نعمة ٍ شكروا أو نكبة ٍ صبروا

تكلموا وأرمَّ الناطقون لهم … لا يؤمرون ولا يعصون إن أمروا

يدعون في السنواتِ الشهبِ جامدة ً … فيفعلون بها ما يفعلُ المطرُ

غاض الفراتُ وضنَّ المزنُ وانبعثتْ … في المزنِ تعصرُ أيديهم فتنعصرُ

لو ركبوا في أعاليهم أناملهم … يومَ الوغى حضرتْ أطرافها الحمرُ

إن كنتَ فيمن طواه البينُ ممترياً … منهم فعندك من منشورهم خبرُ

هذا الحسينُ حياة ٌ خلدتْ لهمُ … ليسوا بأول موتي بابنهم نشروا

صلى َّ فزادتعلى السباق حلبته … محلقُ العرفِ جارٍ خطوهُ حضرُ

كالسهم أحرزَ ذكرا يومَ ترسله … لم يعطهِ أبواه القوسُ والوترُ

عصارة فضلتْ في الطيب طينتها … و الخمرُ أطيبُ شيء منه يعتصرُ

لا يعدمَ الصاحبَ ابنُ الليل قوسهُ … طولُ السرى وتنقى َّ عظمه السفرُ

فوزَ في البيدِ لا ظلٌّ يفء له … ظهراً ولا يتقيه من ندى سحرُ

ترمى به غرضَ الأخطارِ حاجتهُ … يحلو له الملحُ أو يصفو له الكدرُ

يحسُّ أو يتراءى كلَّ مخلفة ٍ … لا سمعَ يصدقهُ فيها ولا نظرُ

يرى سماوته في الماءِ ينكرها … من طول ما اختلفتْ في عينه الصورُ

حتى إذا ملت الأقدارُ شقوته … و حان من سعيه أن يدرك الظفرُ

آنسَ من جوده نارا مبشرة ً … ببردِ عيشته من حيثُ تستعرُ

فجاء يقتافها حتى أصاب قرى … يأخذُ منه اشتطاط النفسِ أو يذرُ

بينا تكونُ البدورُ الطائفاتُ به … و لائدا وتذكى للقرى البدرُ

فلا خلا منه ربعُ الفضلِ يعمرهُ … بالمال يقسمُ والأقوالِ تدخرُ

و بيضة الملكِ يحميها فما كربت … مذ قام يشعبها بالرأي تنفطرُ

تيمنوا باسمه حتى لقد وثقوا … لو سار في غير جيشٍ أنهم نصروا

طلقُ النقبة ِ لم يعقلِ سعايته … عن مطلبٍ رجبٌ يخشى ولا صفرُ

غررَ في العزَّ حتى نال غايتهُ … و جانبُ العزَّ مركوبٌ له الغررُ

لو عيبَ ما عابه شيءٌ يزنُّ به … من النقيصة ِ إلا أنه بشرُ

حلا له الحمدُ حتى ما له ثمنٌ … يغلو عليه وحتى ما لهُ هدرُ

لو وهبَ المرءُ يوما نفسهُ سرفا … لم يهبِ النفسَ إلا وهو مختصر

عجمتُ أيامَ دهري صعبة ً بكمُ … فسالمتني وفي أيامها خورُ

و كان لي عندَ حظي قبلَ ودكمُ … ثأرٌ فقمتُ بكم كالسيف أثئرُ

فلتأتينكمُ عني وبي أبدا … غرائبٌ وهي في أوطانها فقرُ

تسري مراكبَ للأحساب تعرضها … على العيون شياتٌ كلها غررُ

إذا تحلتْ فمعناها قلائدها الن … ضارُ أو لفظها أقراطها الدررُ

مما ولدتُ وإن خالفتُ منصبها … كسرى أبي وأبوها نسبة ً مضرُ

تسركم وتسوء الحاسدين لكم … و نفعُ قومٍ لقومٍ غيرهم ضررُ

في كل يومٍ جديدِِ العهد مبتكرٍ … تسوقها لكم الروحاتُ والبكرُ

لها بأحسابها طولٌ وما قطعتْ … سيرا وفيها عن استحقاقكم قصرُ

و قد سمعتم سواها قابلين له … فكيف يحلو لجاني النحلة ِ الصبرُ

و إن تشابهتِ الألفاظُ واتفقتْ … فرمة الحبل شكلا حية ٌ ذكرُ