هكذا أمضي – عبدالله البردوني

سهدت و أوصاني جميل سهادي … فأهرقت في النسيان كأس رقادي

و سامرت في جفن السهاد سرائرا … لطافا كذكرى من عهود وداد

و نادمت وحي الفنّ أحسو رحيقه … و أحسّو و قلبي في الجوانح صادي

إذا رمت نوما قلقل الشوق مرقدي … و هزّت بنات الذكريات و سادي

و هازجني من أعين اللّيل هاتف … من السحر في عينيه موج سواد

له شوق مهجور ، و فتنه هاجر … و أسرار حيّ في سكون جماد

له تارة طبع البخيل … و تارة … له خلق مطواع و طبع جواد

تدور عليه الشهب و سنى كأنّها … بقيّة جمر في غصون رماد

لك الله يا بن الشعر كم تعصر الدجى … أغاريد عرس أو نحيب حداد

تنوح على الأوتار حينا و تارة … تغنّي وحينا تشتكي و تنادي

كأنّك في ظلّ السكينه جدول … يغنّي لواد أو ينوح لوادي

هو الشعر .. لي في الشعر دنيا حدودها … وراء التمنّي خلف كلّ بعاد

ألا فلتضق عنّي البلاد فلم يضق … طموحي و إن ضاقت رحاب بلادي

و لا ضاق صدري بالهموم لأنّها … بنات فؤاد فيه ألف فؤدا

ولا قهرت نفسي الخطوب و كم غدت … تراوحني أهوالها و تغادي

قطعت طريق المجد و الصبر وحده … رفيقي ، و مائي في الطريق وزادي

و ما زلت أمشي الدرب و الدرب كلّه … مسارب حيّات و كيد أعادي

و لي في ضميري ألف دنيا من المنى … و فجر من الذكرى وروضة شادي

و لي من لهيب الشوق في حيرة السرى … دليل إلى الشأو البعيد و حادي

هو الصبر زادي في المسير لغايتي … و إن عدت عنها فهو زاد معادي

و لا : لم أعد عن غايتي ؛ لم أعد و لم … يكفكف عناد العاصفات عنادي

فجوري عليّ يا حياة أو ارفقي … فلن أنثني عن وجهتي و مرادي

فإنّ الرزايا نضج روحي و إنّها … غذاء لتاريخي ووري زنادي

سأمضي و لو لاقيت في كلّ خطوة … حسام ” يزيد ” أو وعيد ” زياد “

ألا عكذا أمضي و أمضي و مسلكي … رؤوس شياطين و شوك قتاد

ولو أخّرت رجلي خطاها قطعتها … و ألقيت في كفّ الرياح قيادي

فلا مهجتي منّي إذا راعها الشقا … و لا الرأس منّي إن حنته عوادي

و لا الروح منّي إن تباكت و إن شكا … فؤادي أساه فهو ليس فؤادي

هو العمر ميدان الصراع و هل ترى … فتى شقّ ميدانا بغير جهاد ؟

أعذر الظلم و حمّلنا الملاما … نحن أرضعناه في المهد احتراما

نحن دلّلناه طفلا في الصبا … و حملناه إلى العرش غلاما

و بنينا بدمانا عرشه … فانثنى يهدمنا حين تسامى

و غرسنا عمره في دمنا … فجنيناه سجونا و حماما

لا تلم قادتنا إن ظلموا … و لم الشعب الذي أعطى الزماما

كيف يرعى الغنم الذئب الذي … ينهش اللّحم و يمتصّ العظاما

قد يخاف الذئب لو لم يلق من … نلبه كلّ قطيع يتحامى

و يعفّ الظالم الجلّاد لو … لم تقلّده ضحاياه الحساما

لا تلم دولتنا إن أشبعت … شرّه المخمور من جوع اليتامى

نحن نسقيها دمانا خمرة … و نغنّيها فتزداد أواما

و نهنّي مستبدا ، زاده … جثث القتلى و أكباد الأيامى

كيف تصحو دولة خمرتها … من دماء الشعب و الشعب الندامى ؟

آه منّا آه ما أجهلنا ؟ … بعضنا يعمى و بعض يتعامى

نأكل الجوع و نستسقي الظما … و ننادي ” يحفظ الله الإماما “

سل ضحايا الظلم تخبر أنّنا … وطن هدهده الجهل فناما

دولة ” الأجواخ ” لا تحنو و لا … تعرف العدل و لا ترعى الذماما

تأكل الشعب و لا يسري إلى … مقلتيها طيفه العاني لماما

و هو يسقيها و يظمى حولها … و يغذّيها و لم يملك طعاما

تشرب الدمع فيظميها فهل … ترتوي ؟ كلّا : و لم تشبع أثاما

عقلها حول يديها فاتح … فمه يلتقم الشعب التقاما

يا زفير الشعب : حرّق دولة … تحتسي من جرحك القاني مداما

لا تقل : قد سئمت إجرامها … من رأى الحيّات قد صارت حماما ؟

أنت بانيها فجرّب هدمها … هدم ما شيّدته أدنى مراما

لا تقل فيها قوى الموت و قل : … ضعفنا صوّرها موتا زؤاما

سوف تدري دولة الظلم غدا … حين يصحو الشعب من أقوى انتقاما

سوف تدري لمن النصر إذا … أيقظ البعث العفاريت النياما

إنّ خلف اللّيل فجرا نائما … وغدا يصحو فيجتاح الظلاما

و غدا تخضرّ أرضي ، و ترى … في مكان الشوك وردا و خزامى