هاجَت وَساوِسَهُ بِرَومَةَ دورُ – صريع الغواني

هاجَت وَساوِسَهُ بِرَومَةَ دورُ … دُثُرٌ عَفَونَ كَأَنَّهُنَّ سُطورُ

أَهدى لَها الإِقفارَ حَتّى أَوحَشَت … مِن بَعدِ أُنسٍ زائِرٌ وَغَيورُ

جَرَتِ الرِياحُ بِها وَغَيَّرَ رَسمَها … هَزِمُ الكُلا داني الرَبابِ مَطيرُ

أَبكى نَعَم أَبكاهُ رَبعٌ بِاللِوى … تَسفى عَلَيهِ مَعَ العَجاجِ المُورُ

خَلَتِ الدِيارُ وَكانَ يُعهَدُ أَهلُها … وَأَجَدَّ بِالأَحبابِ عَنها مَسيرُ

تاللَهِ ما إِن كادَ يَقتُلُني الهَوى … لَولا رُسومٌ بِالعَقيقِ وَدورُ

وَلَقَد تَكونُ بِها أَوانِسُ كَالدُمى … بيضُ التَرائِبِ ناعِماتٌ حورُ

إِذ بِالحَوادِثِ طَرفَةٌ عَن أَهلِها … وَإِذا أَهلُها مُتَآلِفونَ حُضورُ

حَتّى تَشَتَّتَ بِالجَميعِ وَخانَهُم … دَهرٌ بِخُلّانِ الصَفاءِ عَثورُ

سَقياً لِأَيّامِ الهَوى إِذ عَيشُنا … غَضٌّ وَإِذ غُصنُ الشَبابِ نَضيرُ

أَيّامَ لا يَنفَكُّ مُقتَنِصاً بِها … وَطرَ الصَبابَةِ زائِرٌ وَمَزورُ

كَم قَد تَخَمَّطَتِ القُلوصُ بِيَ الدُجا … وَرِداؤُها وَرِدائِيَ الدَيجورُ

في ضُمَّرٍ مِثلِ القِداحِ سَواهِمٍ … أَزرى بِها التَفليسُ وَالتَهجيرُ

تُطوى لَهُنَّ بِصَبرِهِنَّ عَلى السُرى … وَبِسَيرِهِنَّ سَباسِبٌ وَوُعورُ

حَتّى يَزُرنَ مُهَذَّباً مِن حِميَرٍ … بِالزائِرينَ فَناؤُهُ مَعمورُ

مَلِكٌ إِذا اِستَعصَمتَ مِنهُ بِحَبلِهِ … خَضَعَت لَدَيكَ حَوادِثٌ وَدُهورُ

مَلِكٌ يَميرُ السائِلينَ بِسَيبِهِ … وَبِسَيفِهِ سَبُعَ الفَلاةِ يَميرُ

مَلِكٌ يُجِلُّ نَعَم إِذا ما قالَها … حَتّى يَجودَ وَمالَها تَغيِيرُ

مَنَعَ العُيونَ فَما تَكادُ تُبينُهُ … مِن وَجهِهِ الإِجلالُ وَالتَوقيرُ

حَمَلَ الصَنائِعَ عَن قَبائِلِ يَعرُبٍ … مَلِكٌ أَصابِعُها إِلَيهِ تُشيرُ

مُستَكسِبٌ لِلحَمدِ يَومَ كُنوزِهِ … مُستَجهِلٌ في الحَربِ وَهوَ وَقورُ

غادٍ عَلى كَسبِ المَحامِدِ رائِحٌ … في راحَتَيهِ مَنِيَّةٌ وَنُشورُ

قَد كانَ شَملُ المالِ غَيرَ مُشَتَّتٍ … حيناً فَشَتَّتَ شَملَهُ مَنصورُ

سَنّى يَزيدُ لَهُ البِناءَ فَشادَهُ … وَإِلَيهِ أَعناقُ المَكارِمِ صُورُ

مُغرىً بِنُجحِ نَعَم وَلَيسَ يَكيدُهُ … عَن تَركِ لا المَيسورُ وَالمَعسورُ

لا يَبلُغُ الدُنيا كَثيرَ عَطائِهِ … وَقَليلُهُ عِندَ الكَثيرِ كَثيرُ

يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي أَضحى لَهُ … غُرَرُ المَدائِحِ في البِلادِ تَسِيرُ

أَشرَبتَ أَرواحَ العِدى وَقُلوبَها … خَوفاً فَأَنفُسُها إِلَيكَ تَطيرُ

لَو حاكَمَتكَ وَطالَبَتكَ بِذَحلِها … شَهِدَت عَلَيكَ مَلاحِمٌ وَنُسورُ

وَذَعَرتَ صَرفَ الدَهرِ حينَ ضَمِنتَهُ … فَالدَهرُ مِنكَ وَصَرفُهُ مَذعورُ

يا اِبنَ التَبابِعَةِ المُلوكِ أُولي النُهى … ما مِثلُهُم في سالِفٍ مَذكورُ

كَم مِن أَبٍ لَكَ ماجِدٍ مِن حِميَرٍ … جَزلِ النَّوالِ عَطاؤُهُ مَشكورُ

يا مَن يُجيرُ مِنَ الزَمانِ وَصَرفِهِ … مَن ذا سِواكَ مِنَ الزَمانِ يُجيرُ

نَفَحاتُ كَفِّكَ لَم تَزَل مَذكورَةً … تَشقى بِهِنَّ جَماجِمٌ وَبُدورُ

كَم رائِحينَ إِلَيكَ آبوا بِالغِنى … وَغَدوا عَلَيكَ وَحَظُّهُم مَوفورُ

قَومٌ هُمُ مَوتٌ إِذا ما حارَبوا … قَوماً وَإِمّا سالَموا فَبُحورُ

جابوا البِلادَ وَأَهلُها خَوَلٌ لَهُم … مُستَسلِمينَ فَمُطلَقٌ وَأَسيرُ

مَنَحوا العَدُوَّ مَعَ الصَوارِمِ وَالقَنى … جُمهورَ خَيلٍ خَلفَها جُمهورُ

مِن كُلِّ نَهدٍ لا يَزالُ كَأَنَّهُ … يَومَ الهِياجِ عَمَلَّسٌ مَمطورُ

حَتّى تَذَلَّلَتِ البِلادُ لِحَربِهِم … وَأُبيخَ مِن نارِ العَدُوِّ سَعيرُ

كانوا المُلوكَ بَني المُلوكِ وِراثَةً … وَالمُلكُ فيهِم لا يَزالُ يَدورُ

أَعطاهُمُ ذُلَّ المَقادَةِ قَيصَرٌ … وَجَبى إِلَيهِم خَرجَهُ سابورُ