نَفْدِيكِ بِالأَرْوَاحِ وَالأَجْسَادِ – خليل مطران

نَفْدِيكِ بِالأَرْوَاحِ وَالأَجْسَادِ … إَنْ كَان قوْلٌ فَادِياً لِبِلاَدِ

أَمَّا إِذَا اسْتَنْجَزْتِ وَعْدَكِ فَاعْذِرِي … يَا أُمُّ قَلِّ الْبِرُّ فِي الأَوْلاَدِ

جمَعتْ علَيْكِ الحَادِثَاتُ جُمُوعَهَا … وَبَنُوكِ مَا شَاءَ الشِّقَاقُ بَدَادِ

إِنَّ الدِّيَارَ وَهَكَذَا مُنَّاعُهَا … لَغَنِيمَةٌ لِلْمُسْتَبِيحِ الْعَادِي

هَذِي حقِيقَةُ حَالِنا فَتَبَيَّنُوا … مِنْ ذِكْرِ أَدْنَاهَا بَعِيدَ مُرَادِي

أَوجَزتُ فِي وَصْفِي وَتحْتَ أَقلِّهِ … بَثٌ إِلَى حَدِّ الأَسَى متَمَادِي

إِنْ تُبْصِرُوا الْغَيْمَ الرَّقِيقَ فَفِيهِ مَا … يَخْفَى مِنَ الإِبْرِاقِ وَالإِرْعادِ

أَوْ تسْمَعُوا نوْحَ الحَمَامْ فَدُونَه … آلاَمُ دَامِيَةٍ مِنَ الأَكْبَادِ

الِي أُثِيرُ شُجونَكُمْ بِشِكَايتِي … وَمَرَامُكُمْ أَنْ تَسْمَعوا إَنْشَادِي

أَلذِّكرُ يَنْفَعُنَا غَدَاةَ نَشَاطِنَا … لِنُدِيلَ إِصْلاَحاً مِنَ الإِفْسَادِ

يَا يَوْمنا إِنْ كُنْتَ مُفْتَتَحاً لِمَا … نَرْجُو فإِنَّكَ أَبْهَجُ الأَعْيَادِ

هَذِي عَزَائِمنَا جَلْوْنَاهَا وَقَدْ … خَلُصَتْ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالأَحقَادِ

لاَحَتْ سَوَاطِعَ مرْهَفَاتٍ كَالظُّبَى … برَقَتْ مجَرَّدَةً مِنَ الأَغْمادِ

أَشْفَى الأَمَانِيِّ الَّتِي وُكِلت بِهَا … تَقْرِيبُنَا وَتمَزقِ الحسادِ

أَنَظَلُّ جَمْعاً فِي الْجموع مُؤخَّراً … وَالْفَرْدُ مِنَّا أَوَّلُ الأَفْرَادِ

أَيَكُونُ مِنَّا كُلُّ حرٍ سَائِدٍ … وَسَوَادُنَا يَبْقَى أَذَلَّ سَوَادِ

أَيَفوتُنَا ضَمُّ الْقُوَى وَبِضَمِّهَا … نَعْتَدُّ لِلدُّنْيَا أَشَدَّ عَتادِ

مَهْدُ الرُّقِيِّ دِيَارُنا وَيَسُوءُهَا … أَلاَّ تَعِزَّ بِطَارِفٍ وَتِلاَدِ

جَادَتْ فَمَا بَخِلَتْ بِعَافِيَةٍ وَلاَ … بِنُهى وَلاَ بِشَجَاعَةٍ وَسَدَادِ

تِلْك الديَارُ أَتَذْكُرُونَ جَمَالهَا … بيْنَ السُّهُولِ الخضْرِ وَالأَطْوَادِ

أَترُدُّهَا أَحْلاَمُكُم أَترُودُهَا … أَوْهَامُكُمْ فِي يَقْظَةٍ وَرُقَادِ

أَمَّا أَنا فَعَلَى تَقَادُمِ هِجْرَتِي … عَنهَا وِدادِي لا يَزَالُ ودَادِي

لُبْنَانُهَا وَدِمَشْقُهَا وَبِقَاعهَا … وَضِياعُهَا وَالْبَحْرُ طَيَّ فُؤَادِي

لُبنَانُ هَلْ لِلرَّاسِيَاتِ كَأَرْزِهِ … تَاجٌ يُنَضِّرهَا عَلَى الاْبَادِ

يَا ليْت ذَاكَ الأَرْزَ كانَ شِعَارَنَا … بِثَبَاتِهِ وَتَوَاشُجِ الأَعْضَادِ

بسَقَتْ بَوَاسِقُهُ عَلَى قَدَرٍ فَمَا … جَهِلَتْ وَمَا كَانَت مِنَ المرَّادِ

لَوْ امعَنَتْ صُعُداً لَمَا ضَلُعتْ وَلاَ … رسَخَتْ وَلاَ جَلدَتْ لِرَدِّ نَآدِ

إِنْ تدْهَهَا حُمْرُ الصوَاعِقِ تَبْتَسِمْ … فِيهَا النَّضارَة عَنْ لظى وَقَّادِ

وترَى الغصُونَ كأَنَّ كُلَّ مُخَضَّلٍ … مِنْهَا تَبَاعَثَ مِنْهُ وَرْيُ زِنَادِ

أَوَقَفْتَ تَعْجَبُ مِنْ صَنِيعِ اللهِ فِي … لبْنانَ بيْنَ شَوَامِخٍ وَوِهَادِ

أَرَأَيْتَ أَشْتَاتَ المَدَارِجِ والْقُرَى … متَنَوِّعَاتِ الْحلْيِ وَالأَبْرَادِ

وَكَوَالِحَ الأَصْلاَدِ نَمَّ نَبَاتُهَا … خِلَساً عَنِ التَّحْنَانِ فِي الأَصْلاَدِ

وَالسَّائِمَاتِ أَقَرَّهَا فِي نَعْمَةٍ … أَخذُ الرُّعَاةِ لها مِن الاسادِ

تَرْعى الْخُزَامَى وَالثُّمَامَ نَشِيطَةً … مَحْمودَةَ الإِصْدَارِ والإِيَرادِ

يَا حُسْنَ حَاضِرةِ الْعُروبَةِ إِنهَا … فِي كُلِّ مَعْنىً نُجْعَةُ المرْتَادِ

من لي بِوَصْفِ جَمَالِهَا وَجَمَالُهَا … يُعْيِي بَيَانَ الْوَاصِفِ المِجْوَادِ

بَرَدَى وَنَضْرُ غِيَاضِهِ وَرِيَاضِهِ … نِعَمُ الْحَيَاةِ تَجَمَعَّتْ فِي وَادِ

مَاذَا يرِيكُمْ مِنْ رَوَائِعِ حُسْنِهَا … تَصْوِيرُهَا بِبَرَاعَةٍ وَمِدَادِ

كَمْ فِي الحُزونِ وَفِي السُّهولِ وَرَاءَهَا … عَجَبٌ يَروعُ نَوَاظِرَ الأَشْهَادِ

آيَاتُ تَدبِيجٍ يَتِم رُوَاؤُهَا … بِتَلَمعِ الأَنْهَارِ فِي الأَرْآدِ

وَيَكَادُ بَحْرُ الآلِ فِي أَطْرَافِهَا … يَشْجُو السَّمَاعَ بِمَوْجِهِ الْهَدَّادِ

حَتَّى يَصِيرَ مَدَى مَحَاسِنِهَا إِلى … سَفْحٍ يُطَوِّقُهَا بِطَوْقِ جِسَادِ

عَالٍ ذُرَاهُ يَلُوحُ فَوْقَ بَيَاضِهَا … جَمْرُ الغَمَائِمِ مِنْ خِلاَلِ رَمَادِ

أَمَّا الْبِقاعُ فَجَنَّةٌ لَمْ تَخْلُ مِنْ … أَهْلِ التقَى وَخَلَتْ مِنَ الزهَّادِ

طَابت عناصِرُهَا فَنُفْحةُ تُرْبِهَا … عِطْرِيَّةٌ غِبَّ السَّحَابِ الْغادِي

واسْتَوْفَتِ الْحُسْنَيْنِ مِنْ دَعَةٍ وَمِنْ … خُيَلاَءَ فِي الأَغوَارِ وَالأَنْجَادِ

مَنْ لِلمَشُوقِ بِنهْلةٍ مِنْ زَحْلَةٍ … تَشْفِي المَشُوقَ مِنَ الْجَوىَ المعْتَادِ

كمْ وَقْفَةٍ فِي بَعْلبَكَّ وَقفتُهَا … أَرْمِي الْجِهَاتِ بِنَاظِرٍ رَوَّادِ

بَيْنَا أُعِيدُ الطَّرْفَ عَنْهَا رَاوِياً … عَجَباً وإِعْجَاباً إِذا هُوَ صَادِ

أَرْنُو وَمَرْبَأَتِي بقَايَا هَيْكَلٍ … مِنْ أَعْجَبِ الآثَارِ وَالأَبْلاَدِ

أَلرَّوْضَةُ الخَضْرَاءُ تَحْتَ مِظَلَّةٍ … مِنْ نَاصِعِ النُّوَّارِ فِي الأَعْواد

وَالسَّهْلُ يَبْسُط لِلنَّوَاظِرِ بَعْدَهَا … طُرَفاً روَائِعُهَا بِلاَ تَعْدَادِ

لَطُفَ التَّنَاسُقُ بَيْنَهَا حَتَّى انْتفَى … مَا بَيْنَهَا مِنْ شَاسِعِ الأَبْعَادِ

وَالْبَحْرُ مَا أَسْنَاهُ فِي صَفوٍ وَمَا … أَبْهَاهُ فِي الإِرْغَاءِ وَالإِزْبَادِ

صَالَتْ عَلَى الدُّنْيَا بِهِ فِينِيقِيَا … قِدْماً وَنِعْمَ الفَخْرُ لِلأَجْدَادِ

إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي النَّاسِ مَلاَّحٌ وَلَمْ … يَكُ فَوْقَ لُجٍّ رَائحٌ أَوْ غَادِ

فَتَحَتْ بِهِ لِلْعِلْمِ فَتْحاً بَاهِراً … وَوَقَتْ بِهِ الأَسْوَاقَ كُلَّ كَسَادِ

وَاسْتدْنَتِ البَلدَ القَصِيَّ فَلَمْ تَدَعْ … لِليَأْسِ مَعْنىً فِي مَجَالِ بِعَادِ

يا بَحْرُ يَا مِرْآةَ فَخْرٍ خَالِدٍ … أَبْقَوْهُ فِي الأَبْصَارِ وَالأَخْلاَدِ

هَل تَعْذِرُ الْحُفَداءَ فِيمَا ضَيَّعوا … مِنْ مَفْخَرَاتِ أُولَئِكَ الأَجْدَادِ

لِي فِيكِ مِنْ جِهَةِ المَنَارَةِ مَعْهَدٌ … ذَهَبَ الصِّبَا وسنَاه مِلْءُ سَوَادِي

إِذْ كُنْتِ مفْترَجِي وَكانَ يَرُوعُنِي … نَزَقُ المِيَاهِ وَحِلْمُ كُلِّ جَمَادِ

تِلْكَ الشَّوَاطِيءُ فِي رَوَائِعِهَا غِنىً … عَنْ رَاحةٍ لِلسَّفْرِ أَوْ عَنْ زَادِ

أَخَّاذَةٌ بِاللُّبِّ بَيْنَ وُعُورَةٍ … وَسُهُولَةٍ وَتقَاصُرٍ وَتَمَادِ

إِنْ أَيْمَنُوا أَفْضَوْا إِلى فَيْحَائِهَا … يَرِدُونَ خيْرَ مَنَاهِلِ الوُرَّادِ

حَيْثُ الغَضَارَةُ وَالنَّضَارَةُ زِيدَتَا … طِيباً بأنس كِرَامِهَا الأَجْوَادِ

أَوْ أَيْسَروا حَجُّوا بِقلْبٍ خَاشِعٍ … وَبِنَاظِرٍ فَرِحٍ ربوعَ الْهَادِي

فَهنَاكَ آياتُ الْجَمالِ وَمنْتَهَى … كَرَمِ العَناصِرِ فِي رُبى وَمِهَادِ

وَهُنَاك رَابِيَةُ التَّجَليِّ لَمْ تَزَلْ … تُزْهَى بِنُورٍ مِنْ ضَرِيحِ الْفَادِي

هَذِي دِيَارُكُمْ الَّتِي كَانَتْ حِمىً … لِلأَنْبِياءٍ وَجَنَّةَ المِيعَادِ

إِنْ تَصْدُقُوا فِي حبِّهَا فَصَدَاقَةٌ … صَفْوُ القُلُوبِ وَنَبْذُ كُلِّ تَعَادِ

حَتَّى يَتِمَّ مِنَ المنَى لِسَوَادِكُمْ … مَا يَبْتَغِيهِ دُعَاةُ هَذَا النَّادِي

يَا أَيُّهَا الإِخْوَانْ مِنْ متَوَطنِي … مِصرٍ وَنِعْمَتْ كَعْبَةُ القُصَّادِ

لاَ نَنْسَ حَقّاً لِلْكِنَانَةِ وَاجِباً … إِيْفَاؤُهُ وَلِقوْمِهَا الأَمْجَادِ

حَتَّى نعُدَّ أَدَاءَهُ مِنْ دِينِنَا … وَجُحُودَهُ ضَرباً مِنَ الإِلْحَادِ

دَارٌ مَحَضْنَاهَا الْوَلاءَ وَمَعْشرٌ … سَمْحٌ نُصَافِيهِ االْهَوَى وَنُفَادِي

فِي ظِلِّ عَبَّاسِ العَظِيمِ مَلِيكِنَا … فَخْرِ الإِمَارَةِ رَبِّ هَذَا الْوَادِي

مشَتِ الْجِبَالُ بِهِمْ وَسَالَ الْوَادِي … وَمَضَوْا مِهَاداً سِرن فَوْقَ مِهَادِ

يُحْدَى بِهِمْ متَطَوِّعِينَ كَأَنَّهُمْ … عِيسٌ وَلَكِنَّ الْفَنَاءَ الْحَادِي

للهِ يَوْمٌ قَدْ تَقَادَمَ عهْدُهُ … فِيهَا وَظَلَّ يَرُوعُ كُلَّ فُؤَادِ

يَوْمٌ تَجِفُّ لِذِكْرِهِ أَنْهَارُهَا … خَوْفاً وَيَجْرِي قَلْبُ كُلِّ جَمَادِ

وَإِذَا قَرَأْنَا وَصْفَهُ فَكَأَنَّهُ … بِدَمٍ زكِيٍّ خُطَّ لاَ بِمِدَادِ

وَنَكَادُ نَسْمَعُ لِلقِتَالِ دَوِيَّهُ … ونَرَى الْفَوَارِسَ فِي لَقاً وَطِرَادِ

لِبُرُوسِيا فِي أَرْضِ يَانَا عَسْكَرٌ … مَجْرٌ شَدِيدُ البَأْسِ وَافي الزَّادِ

وَخِيَامُهُ فِي الأُفْقِ مَاثِلةٌ عَلى … تَرْتِيبِ سِلْسِلَةٍ مِنَ الأَطْوَادِ

نَفَرَتْ طَلاَئِعُ خَيْلِهِ مَنْذُ الضُّحَى … تَتَرَقَّبُ الأعْداءَ بِالمِرْصادِ

فَاتُوا كَمَا يَجْرِي الأَتِيُّ مُشَعَّباً … فِي غَيْرِ مَجْرَى مَائِهِ المُعْتَادِ

وَكَأَنَّ نَابلْيُونَ فِي إِشْرَافِهِ … عَلَمٌ عَلَى عَلَمِ الزَّعامَةِ بَادِ

أَلمَجْدُ رَهْنُ إِشَارَةٍ بِيَمِينِهِ … وَالنَّصْرُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالْمُنْقَادِ

والْفَخْرُ فِي رَايَاتِهِ مُتَمَثِّلٌ … وَطَلاَئِعُ الْعُقْبَانِ فِي تَرْدَادِ

فَتَهَيَّأَ الأَلَمانُ لاِسْتِقْبَالِهِ … كَالْحَائِطِ المَرْصُوصِ مِنْ أَجْسَادِ

وعَلاَ هُتَافُ مَازَجَتْهُ غَمَاغِمٌ … مِنْ سَلِّ أَسْلِحَةٍ وَرَكْضِ جِيَادِ

وَرَنِينُ آلاَتٍ تكَادُ تَظَنُّهَا … مُتَجَاوِبَاتِ العَزْفِ بِالإِيَعَادِ

حَتَّى إِذَا كَمَلَ الْعَتَادُ تَقَاذَفُوا … بِالنَّارِ ذَاتِ البَرْقِ وَالإرْعَادِ

شُهُبٌ ضِخامٌ آتِيَاتٌ وَالرَّدَى … بِمَسِيرِهِنَّ وَمِثْلِهُنَّ غَوَادِ

تُلْقِي الرِّجَال عَلَى الثَرَى قَتْلى كَمَا … يُلْقِي السَّنَابِلُ مِنْجَلُ الْحَصَّادِ

لِلهِ دَرُّهُمُ وَقَدْ حَمِيَ الوَغَى … فَتَهَاجَمُوا كَتَهَاجُمِ الآسَادِ

تَدْعُو الْجَرَاحَةُ أُخْتَهَا بِصُدُورِهِمْ … وَالسَّيْفُ يَتْلُو السَّيْف فِي الأَجْيادِ

وَإِذَا التَقَى بَطَلاَنِ لَمْ يَتَجَنْدَلاَ … إِلاَّ مَعاً مِنْ شِدَّةِ الأَحْقَادِ

وَإِذَا جَوَادٌ خَرَّ فَارِسُهُ دَعَا … بِصَهِيلِهِ ذَا حَاجَةٍ بِجَوَادِ

وَالمَوْتُ فِي الْجَيْشَيْنِ غَيْرُ مُجامِلٍ … يَجْتَاحُ بِالأَزْوَاجِ وَالأَفْرَادِ

يَطْوِي الصُّفُوفَ وَيَتْرُكُ الدَّمَ إِثْرَهُ … فَكَأَنَّهُ فُلْكٌ بِبَحْرِ عِبَادِ

مَا زَال يَفْتكُ وَالنفُوسُ زَوَاهِق … وَكَأَنَّ تِلْكَ هُنَيْهة الميعَادِ

حَتَّى تَوَلَّى الذُّعرُ جَيْشَ بُرُوسِيَا … فَتَفَرَّقُوا بَيْنَ القفارِ بَدَادِ

فَسَعَى الفَرَنْسِيُّونَ فِي آثَارِهِمْ … بِعَزَائِمٍْ لاَ يَنْثَلِمْن حِداد

يسْتَكْبِرُ الصُّعْلُوكُ مِنْهُمِ دَائِساً … فِي أَضْلُعِ الأَبْطَال وَالقُوَّادِ

وَاسْتَفْتَحُوا بَرْلِينَ وَهْيَ مَنِيعَةٌ … وَقَضَوْا بِهَا الأَيَّامَ كَالأَعْيَادِ

وَأَقَامَ أَصْحَابُ البِلاَدِ مَآتِماً … وَكَسَوْا عَلَى القَتْلى ثِيَابَ حَدَادِ

نَاحَتْ عَرَائِسُهُمْ عَلَى أَزْوَاجِهَا … وَالأُمَّهَاتُ بَكَتْ عَلَى الأَوْلاَدِ

وَاشْتَدَّ حُزْنُهُمُ وَلَمْ يَكُ مُجْدِياً … مِنْ بَعْدِ فَقْدِ أَحِبَّةٍ وَبِلاَدِ

أَلحُزْنُ يَخْمُدُ وَالمَذَلَّةُ جَمْرَةٌ … لاَ تَنْطَفِي إِلاَّ بِسَيْلِ جَسَادِ

عَادَ الرَّبِيعُ لَهُمْ كَسَالِفِ عَهْدِهِ … يَزْهُو عَلَى الأَغْوَارِ وَالأَنْجَادِ

يَا حُسْنَهُ بَلَداً خَصِيباً طَيِّباً … لَكِنَّهُ نَهْبُ الغَرِيبِ العَادِي

تَتَبَسَّمُ الأَزْهَارُ فِيهِ حَيْثُمَا … عَبَسَ الحِمَامُ بِهَالِكِ الأَجْنَاد

يَا خجْلَةَ الأَحْرَارِ مِنْ مَوْتَاهُمُ … يَثْوُونَ حَيْثُ المَالِكُونَ أَعَادِي

فَاسْتعْصَمُوا بِالصَّبْرِ ثُمَّ تكَاتفُوا … وَتَحَرَّرُوا مِنْ رِقِّ الاِسْتِعْبَادِ

وَتَأَهَّبُوا لِلثَّأْرِ وَالأَحْقَادُ فِي … أَكْبَادِهِمْ كَالْبِيضِ فِي الأَغْمَادِ

حَتَّى إِذَا اشْتَدُّوا وَضَاقَ عَدُوُّهُمْ … ذَرْعاً بِهِمْ أَصْلُوهُ حَرْبَ جِهَادِ

وَبَنَوْا رَجَاءَهمُ عَلَى اسْتِعْدَادِهِمْ … لاَ خَيْرَ فِي أَمَلٍ بِلاَ اسْتِعْدَادِ

هَدَمُوا مَعَالِمَهُ وَرَوَّوْا رَدْمَهَا … بِدِمَاهُ فَاخْتَلَطَا دَماً بِرَمَادِ

وَاسْتَفْتَحُوا بَارِيسَ فَاسْتَوْفوْا بِهَا … أَوْتَارَهُمْ وَشَفَوْا صَدَى الأَكْبَادِ

كُلُّ بِمَسْعَاهُ يَفُوزُ وَمَنْ يُنِبْ … عَنْهُ الحَوَادِثَ لَمْ يَفُزْ بِمُرَادِ