نَزَعتُ عن الصِّبا ، وعصَيتُ نَفسى – محمود سامي البارودي
نَزَعتُ عن الصِّبا ، وعصَيتُ نَفسى … ودافَعتُ الغَواية َ بالتَّأسِّى
وَقُلْتُ لِصَبْوَتِي وَالْعَيْنُ غَرْقَى … بِأدمُعِها رويدكِ ،لا تَمسِّى
فَقَدْ وَلَّى الصِّبَا إِلاَّ قَلِيلاً … أُنازِعُ سؤرَهُ بِفضولِ كأسى
وَمَنْ يَكُ جَاوَزَ الْعِشْرِينَ تَتْرَى … وأَرْدَفَهَا بِأَرْبَعَة ٍ وخَمْسِ
فَقَدْ سَفَرَتْ لِعَيْنَيْهِ اللَّيَالِي … وبانَ لَهُ الهُدى من بَعدِ لبسِ
نَظَرْتُ إِلَى الْمِرَاة ِ فَكَشَّفَتْ لِي … قِناعاً لاحَ فيهِ قَتيرُ رأسى
وكُنتُ وكانَ فيناناً أثيثاً … أُنازِعُ شرَّتى ، وأذودُ بَأسى
فَعُدْتُ وَقَدْ ذَوَى مِنْ بَعْدِ لِينٍ … أُدَارِي صَبْوَتِي، وَأُسِرُّ يَأْسِي
فَمَا أَمْسِي كَيَوْمِي حِينَ أَغْدُو … على كِبر ، وما يومى كأمسِى
وَمَا الأَيَّامُ إِلاَّ صائِبَاتٌ … تَمُرُّ بِكُلِّ سَابِغَة ٍ وتُرْس
أبادَت قَبلنا إرماً وعاداً … وَطَارَتْ بَيْنَ ذُبْيَانٍ وَعَبْسِ
وألوت بالمُضللَِّ ، واستمالَتْ … عمادَ الشَّنفرى ، وهَوت بِقسِّ
فَلاَ «جمشيدُ» دَافَعَ إِذْ أَتَتْهُ … بحادثها ، ولا ربُّ الدِّرفسِ
عَلَى هذَا يَسِيرُ النَّاسُ طُرّاً … ويبقى اللهُ خالِقُ كلِّ نفسِ