نمَّ الصَبا ، وانتبهَ الطائرُ – محمود سامي البارودي

نمَّ الصَبا ، وانتبهَ الطائرُ … وَاسْتَحَرَ الصَّاهِلُ وَالْهَادرُ

وأَضْحَتِ الأَرْضُ لِفَيْضِ الْحَيَا … مَصقولة ً يَلهو بِها الناظِر

تَبْدُو بِها أَنْجُمُ زَهْرٍ لَهَا … مَنَازِلٌ يجْهَلُهَا الْخَابِرُ

كأنَّما ألبسها نَثرة ً … مِنَ النُّجُومِ الْفَلَكُ الدَّائِرُ

فقُمْ بِنا نَلهُ بِلَذَّاتِنا … فَإِنَّمَا الْعَيْشُ لَهُ آخِرُ

وَلاَ تَقُلْ: نَنَظُرُ مَا في غَدٍ … رُبَّ غدٍ آملهُ خاسِرُ

فَإِنَّمَا الْعَيْشُ وَلَذَّاتُهُ … في سَاعَة ٍ أَنْتَ بِهَا سَادِرُ

لا يَغنَمُ الَّلذَّة َ غَيرُ امرئٍ … لَيْسَ لَهُ عَنْ لَهْوِهِ زَاجِرُ

قَد خبرَ الدّهرُ ، فما غائبٌ … يجْهَلُهُ مِنْهُ، وَلاَ حَاضِرُ

يَا سَاقِيَيَّ، اعْتَوِرَا كَأْسَهَا … فَلِي بِها عَنْ غَيْرِهَا عَاذِرُ

حَمْرَاءُ تُلْقِي بِلَحَاظِ الْفَتَى … صِبْغاً بِهِ يَعْتَرِفُ النَّاكِرُ

تَفْعَلُ بِالشَّارِبِ أَضْعَافَ مَا … جَرَّ على عُنقودِها العاصِرُ

عَتَّقَهَا الدُّهْقانُ في دَيْرِهِ … حِيناً ، ولم يَشعر بِها شاعِرُ

شَجٍ بِها، يَكْتُمُهَا نَفْسَهُ … وهو ليرضاها غَداً صابِرُ

حتَّى إذا تمَّت مواقيتُها … وزالَ عَنها الزَّبدُ المائرُ

جاءَتْ وَقَدْ شَاكَلَهَا كَأْسُهَا … فاشتبهَ الباطِنُ والظَّاهِرُ

بِمِثْلِها تُعْجِبُنِي صَبْوَتِي … وَيَزْدَهِينِي اللَّيْلُ وَالسَّامِرُ

فَمَا لِهَذِي النَّاسِ في غَفْلَة ٍ … عمَّا إليهِ يَنتهى السَّائرُ ؟

أَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ مَضَتْ قَبْلَهُمْ … مِن أُممٍ ليسَ لها ذاكِرُ؟

إِنْ لَمْ يَكُنْ في الأَمْرِ مِنْ حِكْمَة ٍ … فَفِيمَ هذَا الشَّغَبُ الثَّائِرُ؟

كلُّ امرئٍ أسلمهُ عَقلهُ … فَمَا لَهُ مَنْ بَعْدِهِ نَاصِرُ