نفحاتُ السرورِ أحيت حبيبا – حيدر بن سليمان الحلي
نفحاتُ السرورِ أحيت حبيبا … فحبتنا من النسيب نصيبا
وأعادت لنا صريعَ الغواني … يسترقُّ الغرامَ والتشبيبا
غادرتنا نجرّ رجل خليعٍ … غَزلٍ كالصبا يعدُّ المشيبا
نعّمتنا بناعم القدِّ غضّ … قد كساه الشبابُ برداً قشيبا
زارنا والنسيمُ نمَّ عليه … فكأَنَّ النسيمَ كان رقيبا
رشأٌ عاطشُ الموشح ريّا … نُ بماء الصِّبا يميس قضيبا
ما نضى برقعَ المحاسن إلاّ … لبس البدرُ للحياءِ الغروبا
فعلى بانة يجيلُ وشاحاً … وعلى نيّرٍ يزرُّ جيوبا
لو رأت نارُ وجنتيه النصارى … عبدت كالمجوس منها اللهيبا
أَو لحاها قسّيسُها لأتت تو … قد فيها ناقوسَها والصليبا
كم لحاني العذولُ ثم رآه … فغذا شيّقاً إليه طروبا
جاءَني لائماً فعاد حسوداً … ربَّ داءٍ سرى فأعدى الطبيبا
يا نديمي أطربتَ سمعي بلمياءَ … ويا ربِّ زِدتني تعذيبا
لي فيها جعلتَ ألفَ رقيبٍ … ولشهب السما جعلت رقيبا
ذاتُ قدٍّ تكاد تقصف منه … نسماتُ الدلال غصناً رطيبا
فأعد ذكرها لسمعي فقلبي … كادَ شوقاً لذكرها أن يذوبا
غنِّ لي باسمها على نُقُلِ الراح … وزدني أفدي لكَ العندليبا
بربيبٍ حوى بديعَ جمالٍ … فيه قد أخجل الغُزالَ الربيبا
كَفِلاً ناعماً وطرفاً كحيلاً … وحشى َ مُخطفاً وكفّاً خضيبا
وَكَورد الرياض وجنة ُ خدٍ … يقطفُ اللثمُ منه ورداً عجيبا
كلّما طّله الحيا بنداه … رشَّ ماءً فبلَّ فيه القلوبا
يا بعيداً أثمرنَ منه أعالي … غُصنِ القدِّ لي عِناقاً قريبا
ما أجدَّ الفتورُ لحظَكَ إلاّ … وبلبّ اللبيب كان لعوبا
أو بخديك عقربُ الصدغِ دبَّت … فبقلبي لها وجدتُ دبيبا
لم تزل تألفُ الكثيبَ وقلبي … يتمّنى بأن يكون الكثيبا
أنتَ ريحانة ُ المشوقِ ولكن … جاءَنا ما يفوق ريّاكَ طيبا
فَلنَا من محمد بشذاه … نسماتُ الأقبال طابت هُبوبا
نفحتنا أعطافهُ فانتشقنا … أرجاً عطّر الصَبا والجَنوبا
أكثرت شوقها إليه القوافي … فأقلّت للمدح فيه النسيبا
ودعت يا بن أعلم القوم بالله … ويا أكمل الورى تهذيبا
لحظاتُ الإله في الخلق أنتم … وابنُ ريبٍ من ردَّ ذا مُستريبا
ومتى تنتظم قنا الفخر كنتم … صدرها والكرامُ كانوا كعوبا
وإذا أذنبَ الزمانُ فأنتم … حسناتٌ له تحطّ الذنوبا
بَردت بالهنا ثغورُ المعالي … وجلى الابتسامُ منها الغروبا
ووجوه الأيام قد أصبحت تخـ … ـطبُ حسناً وكنَّ قبلُ خُطوبا
ضحكت بهجة ً بلامع بِشرٍ … لم تدع للتقطيب فيه نصيبا
ليت شعري أكان للنجف الأشـ … ـرف أم للفيحاء أجلى شحوبا
فرح طافت المسرّة ُ فيه … فأزالت عن القلوب الكروبا
فتعاطت على اختلاف هواها … ضَرباً هذه وتلك ضريبا
فأدر لي يا صاحبي حلب البشر … المُصفى ّ واترك لغيري الحليبا
أيها القادمُ الذي تتمنى … كلُّ عينٍ رأته أن لا يغيبا
قد شهدنَ الفجاج أنَّ بتقويـ … ـيضك للجود في الفلا تطنيبا
كل فجٍ لم ترتحل منه إلاّ … وأقمتَ السماح فيهِ خَطيبا
قد بذلت القِرى لها وسقاها … بك ربُّ السماءِ غيثاً سكوبا
فكفاها خصباً بأنك فيها … سرتَ والغيثَ تقتلان الجُدوبا
يا بن قومٍ يَكاد يمسكها الركـ … ـنِ كما يمسك الحبيبُ الحبيبا
بك باهى مقامُ جدّك إبرا … هيمَ لمّا أن قمت فيه مُنيبا
مسَّ منه مناكباً لك مسّتـ … ـه وأخلِق عنه بها أن تنوبا
ولو انَّ البطحاء تملك نُطقاً … لسمعت التأهيلَ والترحيبا
منك حيّت عمروَ العُلى ذلك المُـ … ـكثر للضيف زادَه والمطيبا
وأرتها شمائلٌ لك راقت … أنَّ شيخ البطحاءِ قامَ مهيبا
واستهلَّت طير السماءِ وقالت … مشعُ الطير جاء يطوي السُهوبا
إنَّ هذا لشيبة الحمد أولى … فابن مَن سادهم شباباً وشيبا
شرفاً يا بني الإمامة َ قد الّـ … ـف مَهديُّها عليها القلوبا
فيه بانت حقائق الفضل للنا … س وكنَّ الأسماءَ والتلقيبا
وإليه رياسة الدين آبت … وقُصارى انتظارها أن تؤوبا
كلّما عنَّ مشكلٌ حضرته … فكرة ٌ فيه أطلعته الغيوبا
أحزمُ العالمين رأياً وأقوا … هم على العاجمين عوداً صليبا
يا أبا الأنجمِ الثواقبِ في الخطـ … ـب بقلب الحسود أبقوا ثُقوبا
إنَّ مَن عن قسّي رأيك يَرمي … لجدير سهامُه أن تصيبا
حلف المجدُّ فيك لا يلد الدهرُ … لهم في بني المعالي ضريبا
لست أدري هل الصوارمُ أم الـ … ـسنهم في الخصام أمضى غُروبا
والغوادي للعام أضحكُ أم أيـ … ـديهم البيضُ حين تأبى قطوبا
خير ما استغزر الرجا جعفرَ الجودِ … وَناهيك أن تروُدَ وهوبا
لو بصغرى البنان ساجل بحراً … لأرى البحرَ أنَّ فيه نُضوبا
أريحيٌّ أرقُّ طبعاً من الزهـ … ـر المندّى باكرته مستطيبا
عجباً هزَّه المديحُ ارتياحاً … واهتزازُ الأطوادِ كان غريبا
هو في طيب ذكره صالحُ الفعل … لقد طاب مَحضراً ومغيبا
أطهر الناسِ مئزراً ورداء … الغيب أنقى على العفاف جيوبا
خُلقه أسكر الزمانَ ولكن … لم يكن في كؤوسه مسكوبا
قل لِمن رام شأوَه أين تَبغي … قد تعلّقت ظنّك المكذوبا
أو ما في الحسين ما قد نهاكم … أن تطيلوا وراءَه التقريبا
سادة للعُلى يرشّحها المجدُ … وليداً وناشئاً وَربيبا
زعماءُ الأنام قد ضرب الفخرُ … عليهم رِواقَهِ المحجوبا
سمروا في قباب مجدٍ أعدوّا … حارسيها الترهيبَ والترغيبا
كلّ سَبطِ البنان في الشتوة الغبـ … ـراء يأبى عنها الحيا أن ينوبا
حيّ بسامة َ العشيّ تُفدّي … بوجوهٍ كم قد دجت تقطيبا
كم دعاها الرجا فأنشد يأساً … من سجايا الطلول أن لا تجيبا
لا عدى ميسم الهيجاءِ أُناساً … كان وسمُ المديح فيهم غريبا
صبغ الله أوجه البيض والصفر … بحظّ الذي يكون أديبا
كم أعارت محاسنُ الدهرِ قوماً … ملأُوا عيبة َ الزمان عُيوبا
أيّها اللامعاتُ فيهم غروراً … لابن دينارك استرقّي الخصيبا
كتب الطبع فيك نصراً من الحظ … وفتحاً للأَعبياءِ قريبا
كم لبيبٍ بغير مُغنٍ ومُغنٍ … لأخي ثروة ٍ وليس لبيبا
فأعد لي ودعهم ذكرَ قومٍ … لك مهما نشرته ازدادا طيبا
عِترة َ الوحي ما أقلّ ثنائي … إنَّ ظهر الإِنشاء ليس ركوبا
بل بصدر القول ازدحمنَ مزايا … كم فضيّقنه وكان رحيبا
لم تزل منكم تقرُّ عيوناً … فرحاتٌ لكم تسرّ القلوبا
فبثوب الزمان ليس سواكم … فالبسوه على الدوام قشيبا