نعاءِ عليهِ أيها الثقلانِ – محمود سامي البارودي

نعاءِ عليهِ أيها الثقلانِ … فَقَدْ أَقْصَدَتْهُ أَسْهُمُ الْحَدَثَانِ

مَضَى ، وَأَقَمْنَا بَعْدَهُ فِي مَآتِمٍ … عَلَى الْفَضْلِ نَبْكِيهِ بِأَحْمَرَ قَانِي

فلا عينَ إلاَّ وَ هيَ بالدمعِ ثرة ٌ … وَ لاَ قلبَ إلاَّ وَ هوَ ذو خفقانِ

حِفَاظاً وَإِشْفَاقاً عَلَى مُتَرَحِّلٍ … خَلَتْ أَرْبُعٌ مِنْ شَخْصِهِ وَمَغَانِي

فقدناهُ فقدانَ الظماءِ شرابهمْ … بِدَيْمُومَة ٍ وَالْوِرْدُ لَيْسَ بِدَانِي

فيا للعلى كيفَ استبيحَ ذمارها … وَلِلْفَضْلِ إِذْ يُرْمَى بِهِ الرَّجَوانِ

لعمري ، لقدْ هاجَ الأسى بعدَ فقدهِ … بِنَا لَوْعَة ً لاَ تَنْثَنِي بِعِنَانِ

ضَمَانٌ عَلَى قَلْبِي صِيَانَة ُ عَهْدِهِ … وَمَا خَيْرُ قَلْبٍ لاَ يَفِي بِضَمَانِ؟

تَخَلَّى عَنِ الدُّنْيَا، وَأَبْقَى مَآثِراً … يُقِرُّ لَهَا بِالْفَضْلِ كُلُّ لِسَانِ

فإنْ يكُ أودى ، فهوَ حيٌّ بفضلهِ … وَمَنْ كَانَ مَذْكُوراً فَلَيْسَ بِفَانِي

وَأَيُّ امْرِىء ٍ يَبْقَى ؟ وَدُونَ بَقَائِهِ … نهارٌ وَ ليلٌ بالردى يفدلنِ

ألاَ قاتلَ اللهُ الحياة َ ؛ فإنها … إِلَى الْمَوْتِ أَدْنَى مِنْ فَمٍ لِبَنَانِ

إِذَا مَا بَنَانَا الدَّهْرُ ظَلَّتْ صُرُوفُهُ … تهدمنا ، والدهرُ أغدرُ باني

تخادعنا الدنيا ؛ فنلهو ، وَ لمْ نخلْ … بأنَّ الردى حتمٌ على الحيوانِ

إِذَا مَا الأَبُ الأَعْلَى مَضَى لِسَبِيلِهِ … فما لبنيهِ بالبقاءِ يدانِ

لقدْ فجعتنا أمُّ دفرٍ وَ ما درتْ … بأروعَ منْ نسلِ النبيَّ هجانِ

سليمُ نواحي الصدرِ ، لاَ يستفزهُ … نِزَاعٌ إِلَى الْبَغْضَاءِ وَالشَّنَآنِ

يُعَاشِرُ بِالْحُسْنَى فَإِنْ رِيبَ لَمْ يفُهْ … بِسُوءٍ، وَلَمْ تَرْمِزْ لَهُ شَفَتَانِ

لَقَدْ كَانَ خِلاًّ لاَ يُشَانُ بَغَدْرَة ٍ … وَ صاحبَ غيبٍ طاهرٍ وَ عيان

إِذَا قَالَ كَانَ الْقَوْلُ عُنْوَانَ فِعْلِهِ … وَيَا رُبَّ قَوْلٍ نَافِذٍ كَسِنَانِ

خِلالٌ يَفُوحُ الْمِسْكُ عَنْهَا مُحَدِّثاً … وَ يثنى على آثارها الملوانِ

فلا غروَ أنْ تدمى العيونُ أسافة ً … عَلَيْكَ، وَيَرْعَى الْحُزْنُ كُلَّ جَنَانِ

فأنتَ ابنُ منْ أحيا البلادَ بعلمهِ … وَ أبقى لهُ ذكراً بكلَّ مكانِ

أَفَادَ بَنِي الأَوْطَانِ فَضْلاً سَموْا بِهِ … إِلَى هَضَبَاتٍ فِي الْعُلاَ وَقِنَانِ

وَ أنتَ ابنهُ ، والفرعُ يتبعُ أصلهُ … وَمَا مِنْكُمَا إِلاَّ جَوَادُ رِهَانِ

هوَ الأولُ السباقُ في كلَّ حلبة ٍ … وَ أنتَ لهُ دونَ البرية ِ ثاني

فَيَا رَحْمَة َ اللَّهِ اسْتَهِلِّي عَلَيْهِمَا … بِسَجْلَيْنِ لِلرِّضْوَانِ يَنْهَمِلاَنِ

وَ عمى قبورَ العالمينَ كرامة ً … لقبرينِ بالبطحاءِ يلتقيانِ

عَلَيْكَ سَلاَمُ اللَّهِ مِنِّي، تَحِيَّة ٌ … يُوَافِيكَ فِي خُلْدٍ بِهَا الْمَلَكَانِ