نظرَ الليثُ إلى عجلٍ سمينْ – أحمد شوقي

نظرَ الليثُ إلى عجلٍ سمينْ … كان بالقربِ على غيْطٍ أَمينْ

فاشتهتْ من لحمه نفسُ الرئيس … وكذا الأنفسُ يصبيها النفيس

قال للثعلبِ: يا ذا الاحتيال … رأسكَ المحبوبُ، أو ذاك الغزال

فدعا بالسعدِ والعمرِ الطويل … ومضى في الحالِ للأمرِ الجليل

وأتى الغيظَ وقد جنَّ الظلام … فأرى العجلَ فأهداهُ السلام

قائلاً: يا أيها الموْلى الوزيرْ … أنت أهلُ العفوِ والبرِّ الغزير

حملَ الذئبَ على قتلي الحسد … فوشَى بي عندَ مولانا الأَسد

فترامَيْتُ على الجاهِ الرفيع … وهْوَ فينا لم يزَل نِعمَ الشَّفيع

فبكى المغرورُ من حالِ الخبيث … ودنا يسأَلُ عن شرح الحديث

قال: هل تَجهلُ يا حُلْوَ الصِّفات … أَنّ مولانا أَبا الأَفيالِ مات؟

فرأَى السُّلطانُ في الرأْس الكبير … ولأَمْرِ المُلكِ ركناً يُذخر

ولقد عدُّوا لكم بين الجُدود … مثل آبيسَ ومعبودِ اليهود

فأَقاموا لمعاليكم سرِير … عن يمين الملكِ السامي الخطير

واستَعدّ الطير والوحشُ لذاك … في انتظار السيدِ العالي هناك

فإذا قمتمْ بأَعباءِ الأُمورْ … وانتَهى الأُنسُ إليكم والسرورْ

برِّئُوني عندَ سُلطانِ الزمان … واطلبوا لي العَفْوَ منه والأمان

وكفاكم أنني العبدُ المطيع … أخدمُ المنعمَ جهدَ المستطيع

فأحدَّ العجلُ قرنيه، وقال: … أَنت مُنذُ اليومِ جاري، لا تُنال

فامْضِ واكشِفْ لي إلى الليثِ الطريق … أنا لا يشقى لديه بي رفيق

فمَضى الخِلاَّنِ تَوّاً للفَلاه … ذا إلى الموتِ، وهذا للحياه

وهناك ابتلعَ الليثُ الوزير … وحبا الثعلبَ منه باليسير

فانثنى يضحكُ من طيشِ العُجولْ … وجَرى في حَلْبَة ِ الفَخْر يقولْ:

سلمَ الثعلبُ بالرأسِ الصغير … فقداه كلُّ ذي رأسٍ كبير