مُصَابُك حَيّاً عَرَا جَعْفَرَا – خليل مطران

مُصَابُك حَيّاً عَرَا جَعْفَرَا … وَخَطْبُكَ مَيْتاً عَرَا قَيْصَرَا

رُزِئْنَاكَ لَمْ يُغْنِ مِنْك البَيَا … نُ وَلَمْ يَعْصِمِ الجَاهُ أَنْ تُقْبَرَا

وَهَذي النِّهَايَةُ عُقْبَى النُّهَى … وَذَاكَ الثَّرَاءُ لِهذَا الثَّرَى

وغَايَةُ مَجْدك فِي العَالَمِينَ … إِذَا عَرَفُوا الفَضْلَ أَنْ تُشْكَرَا

وَآخِرُ بَأْسِكَ أَنْ يُعتَدَى … عَلَيْكَ دَفِيناً وَأَنْ يُفْتَرَى

أَيُهْتَكُ عَنْهَا قَمِيصُ المُرُو … ءَة تَحْتَ البِلَى مَنْع أَنْ تُسْتَرَا

وَتَثْوِي المُرُوءَةُ فِي دَارِهِمْ … وَتَرْضَى المُرُوءَةُ أَن تُذْكَرَا

كَذَا انْكَشَفَ الدهْرُ لِلنَّاسِ فِيكَ … عنْ قَاهِرٍ عَزَّ أَنْ يُقْهرَا

حَلِيمٍ تِرَاكاً بِإِقْبَالهٍ … ضَرُوبٍ دِرَاكاً مَتَى أَدْبَرَا

لأَمْرٍ صَفَا لَكَ حِينَ صَفَا … وكَدَّرَ وِرْدكَ إِذْ كُدِّرَا

يَقُولُ بِأَحدَاثهِ الواعِظا … تِ لِمَنْ هَمَّ بِالزَّهْوِ أَطْرِقْ كَرَى

حَبَاكَ زَمَاناً بِجَاهِ المُلُو … كِ وَبَطْشِ الأَسَاطِينِ مُسْتوْزَرَا

وَفَخْرِ الغُزَاةِ قُرُومِ السَّرا … يَا وَفِكْرِ الهُدَاةِ نُجُومِ السُّرى

وَعَزْمٍ يَكُونُ عَلَى أُمَّةٍ … قتَاماً وَفِي أُمَّةٍ نَيِّرَا

فكُنْتَ كَمَا تَبْتغِي عِزَّةً … وَكُنْتَ كَمَا تَرْتَضِي مَظْهَرَا

وَكُنْتَ مَعاً فَارِساً شَاعِراً … وَكُنْتَ مَعاً نَدُساً قسْوَرَا

جَمِيعَ المَزَايَا فَمَا لِلبَيَا … نِ وَمَا لِلغيَاثِ وَمَا لِلقِرَى

نَظِيرُكَ مُبْتَكِراً مُبْدعاً … شِهَاباً سَنِيّاً نَدىً مُمْطِرَا

نَظمْتَ المَعَالِيَ نَظْمَ المَعَانِي … فَفَتْحُ الكَلاَمِ كفَتْحِ القُرَى

وَطَعْنُ السِّنَانِ كَنَفْثِ اليَرَاعِ … وَكُلُّهُمَا بِالنُّهَى حُبِّرَا

وَضَمُّ الجُيُوشِ كَنَسْقِ القَرِيضِ … وَتَقْسِيمه أَشْطُراً أَشْطُرَا

وَسَهْلُ القِتَالِ كَطِرْسٍ بِه … يُسَطِّرُ بَأْسُكَ مَا سَطَّرَا

بِنَقْطِ الجَمَاجِمِ إِعْجَامُهُ … وَإِهْمَالُهُ جَوْبُهُ مُقْفِرَا

وَتَفْوِيفُهُ بِنِعَالِ الجِيَا … دِ وَتَدْبِيجُه بِدَمٍ أَحْمَرَا

فَيَا غَازِياً ذَاكَ إِعْجَازُهُ … وَيَا نَاظِماً ذَاك مَا صَوَّرَا

أَتِلْكَ مِنَ الكَلِمِ الذَّاكِيَا … تِ تَسِيلُ النُّفُوسُ بِهَا أَنْهُرَا

شَقَائِقُ آيَاتِكَ النَّادِيَا … تِ رَحِيقاً مِنَ الأُُنسِ أَوْ كوْثَرا

أَمِ الصافِياتِ شَوافِي الأُوَا … مِ بِمَا تَحْتَها مِنْ زلاَلٍ جَرى

أَمِ الجَالِيَاتِ يُبِنَّ لَنَا … مِنَ الغَيْبِ كُلَّ ضَمِيرٍ سَرَى

أَمِ المُطْرِبَاتِ يُشَنِّفْنَنَا … بِشَدْوِ الهَزَارِ وَقَدْ بَكَّرَا

أَمِ المَرْسَلاَتِ هُدىً لِلأَنَا … مِ حَقائِقُ مُودَعَةٌ جَوْهَرَا

فَهَلْ كَانَ أَفْرَسَ مِنْكَ فَتىً … وَهَلْ كَانَ مِنْكَ فَتىً أَشْعَرا

كِلا المفْخَرَيْنِ يَرَاعاً وَسَيْفاً … دَعَا تاجَهُ لَكَ مُسْتَأْثِرَا

فَتَاجٌ عَصَاكَ وَتاجٌ عَلاَ … كَ وَكانَ الأَحَقَّ بِأَنْ يُؤْثَرَا

فَلمَّا رَقِيتَ إِلى المُنْتَهَى … وكِدْتَ تُجَاوِزُ مَا قُدِّرَا

رَمَاكَ الزَّمَانُ بِأَحْدَاثه … مُجَيَّشَةً فَانْبَرَتْ وَانْبَرَى

أَبَانَ المُحِبِّينَ وَالآلَ عَنْكَ … وَأَقْصَى المَوَالِي وَالعَسْكَرَا

وَأَسْكَتَ أَفْراسَكَ الصَّاهِلاَتِ … وَأَصْمَتَ صَمْصَامَكَ الأَبْتَرَا

وَأَخْرَسَ مَنْ قَالَ لِلّه أَنْتَ … وَأَبْكَمَ حَوْلَكَ مَنْ كَبَّرَا

وسَكَّنَ رَوْعَ الفَلاَ مَجْفِلاَتٍ … وَأَمَّنَ شَامِخَهَا أَصْعَرَا

وَنَفَّسَ كرْبَ الظِّبَا لاَفِتَاتٍ … وَرَوَّحَ أَيِّلَهَا أَصْوَرَا

وَأَلْوَى عَليْك فَأَدْمَى وَأَصلَى … وَصالَ وطالَ وَمَا أَقْصَرَا

رَمَى بِك في السِّجْنِ مِنْ حَالِقٍ … أَلِيفَ الجُنَاةِ طَرِيحَ العَرَا

وَأَثْخنَ جُرْحاً فَأَقْصَاكَ عَنْ … ثَرَى مِصرَ مُجْتَنَباً مُزْدَرَى

وَزادكَ ضَيْماً فَحَجبَ عَنْ … عُيُوِنكَ ضَوْءِ الضُّحَى مُسْفِرَا

وَجَازَ النَّكَالَ فَأَرْدَى ابنتَيْكَ … كمَا يُذْبَحُ الذِّبْحُ أَوْ أَنْكَرَا

وَلَكِنْ أَبَى لَك ذَاكَ الإِبَا … ءُ إِلاَّ الثَّباتَ وَأَنْ تَصْبِرَا

وَهَلْ فِي الأَسى غَيْرُ صَدْعِ الحَشى … وَتَدميَةِ الجَفْنِ مُسْتَعْبِرَا

وَتهْوِينِ نَفْسٍ لَدَى خَصْمِهَا … بِلاَ طَائِلٍ غيْرَ أَن تَصْغُرَا

فَلَمْ تَنْتَقِصْكَ الرَّزَايَا وَلَكِنْ … أَعادَتْكَ مِحْنَتُهَا أَكْبَرَا

وَرَدَّ بَيَاضُ المَشِيبِ ثَنَا … ءَكَ أَجْلَى بَهَاءً وَقَدْ طُهِّرَا

فَمَا كَان سِجْنُكَ إِلاَّ قَرَاراً … وَقَدْ تعِبَ الجِدُّ أَنْ يَسْهَرَا

وَلاَ النَّفْيُ إِلاَّ خَلاَءً أَعَدْتَ … بِه زَمَنَ الأَدَبِ الأَزْهَرا

وَلاَ الثُّكْلُ إِلاَّ لِتَأْسَى أَسَا … كَ وَتَبْكِي بُكَاءَ لُيُوثِ الشَّرى

وَلاَ الغَضُّ عَمَّا تَرَاهُ العُيُو … نُ إِلاَّ وَقَدْ سَاءَ أَنْ يُنْظَرَا

إِذَا وَسِع الكَوْنَ فِكْرُ امْرِيءٍ … فَلاَ بأْسَ بِالطَّرْفِ أَنْ يُحْسرَا

عَلَى الشمْسِ أَنْ تهْديَ المُبصِرِينَ … وَلَيْسَ عَلَى الشَّمْسِ أَنْ تُبْصِرَا

فَيَا جِسْمَ مَحْمُودَ بِتْ في سُكُونٍ … وَيَا عَيْنَ سَامٍ اهْنَيءِ بِالْكرَى

وَيَا فِكْرَهُ كمْ نَشَدْتَ العُلَى … بَلَغْتَ مَدَاهَا فَمَاذَا تَرَى

أَطِلَّ عَلَى هَذِهِ الكَائِنَا … تِ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ بِأَسْمَى الذُّرَى

أَتَنْظرُ غيْرَ فضَاءٍ رَحِيبٍ … تُحَاكِي النُّجُومُ بِه العِثْيَرَا

وتَسْمَعُ غيْرَ شَبِيهِ الحَفيفِ لِمَا … اصْطُكَّ مِنْهَا وَمَا كُوِّرَا

فَقُلْ صَامِتاً وَأَشِرْ مَائِتاً … لِمَنْ تَاهَ فِي الأَرْضِ وَاسْتَكْبَرَا

عَلاَمَ تَبَاذُخُ هَذي الجِبَالِ … وَفِيمَ تَشَامُخُ هَذَا الوَرَى