مُرِ القَوَافِي تَجِيءُ طُوْعاً وَلاَ عَجَبَا – خليل مطران

مُرِ القَوَافِي تَجِيءُ طُوْعاً وَلاَ عَجَبَا … عَلَّ الْقَوَافِي تُوَدِّي بَعْضُ مَا وَجَبَا

صِغْهَا عُقُوداً لِهَذَا الْيَوْمَ مِنْ دُرَرٍ … وَحَيِّ فِيهَا العُلاَ وَالْعِلْمَ وَالأَدَبَا

فَالْيُوْمُ عِيدٌ لِهَذَا القُطْرِ أَجْمَعَهِ … هَنِّيءْ بِهِ الشَّرْقَ والسُوْدَانَ وَالعَرَبَا

فَانْشُدْ نَشِيدَ الأَمَانِي رُبَّ قَافِلَةٍ … قَدْ أَبْطَأَتْ في السَّرَى تَشْدُو بِهِ حُقُبَا

حَلَّقْ مَعِ الْفَلكِ الدَوَّارِ في فَلَكٍ … وَزُحُ أَنْ اسْطَعْتْ عَنْ أَسْرَارِهِ حُجُبَا

وَانْظُرْ بِعَيْنَيْكَ خَطَّ الْقَضَاءُ بِهِ … في اللَّوْحِ وَاقْرَأْ لَنَا مَا فِيهِ قَدْ كُتِبَا

فَذَاكَ عُمْرِي وَرَاءَ الْحُجْبِ مَسْتَتِرٌ … عَلَيْهِ سُورٌ مِنَ الأَنْوَارِ قَدْ ضُرِبَا

وَاهْبِطْ إلى الأَرْضِ خَبِّرْنَا بِمَا سَمِعَتْ … أُذْنَاكَ أَنَّ لَنَا في سَمْعِهِ أَرَبَا

وَانْثُرْ عَلَى الْوَادِي مِنْ عِلْمٍ وَمِنْ أَدْبٍ … فَإِنَّ ذَا الشَّعْبِ يَهْوَى العِلْمَ وَالأَدَبَا

حَدِّثْهُ كَيْفَ سَمَتْ أَرْوَاحُنَا زَمَناً … وكَيْفَ كُنَّا عَلَى رُغْمِ العِدَى الْعَرَبَا

وَكَيْفَ كَانَتْ لَنَا الأَيَّامُ طَائِعَةً … كَمَا تَشَاءُ فَلَمْ تُهْمِلْ لَنَا طَلَبَا

حَدَّثْ بَنِي الْنِّيْلِ عِنْ كَثَبٍ … عَنِ الأَمِينِ عَنِ الْمأَمُونِ إِذْ غَضِبَا

سَالَتْ دِمَاءُ بَنِي العَبَّاسِ بَيْنَهُمَا … الْمُلْكُ أَسْمَى وَأَعْلَى مِنْ دَمٍ سَكَبَا

بَغْدَادُ كَانَتْ مَنَاراً لِلْعُلُومِ فَمَا … لِلْعِلْمِ مِنْ طَالِبٍ إِلاَّ لَهَا طَلَبَا

لاَ تُشْرُقُ الشَّمْسُ إِلاَّ في مَنَائِرِهَا … وَلَيْسَ يَغْرُبُ عَنْهَا الْبَدْرُ مَا غَرُبَا

وَصِفْ لَنَا كَيْفَ دَالَتْ وَامَحَتْ دُوَلٌ … وَكَيْفَ جَيْشُ حُمَاةِ الشَّرْقِ قَدْ غُلِبَا

وَمَا دَهَى الْشَّرْقَ في ابْنَاهُ قَاطِبَةً … فأَصْبَحَ الرَّأْسُ مِنْ أَبْنَائِهِ ذَنَبَا

قَدْ أَثْقَلَتْنَأ قُيودٌ لاَ نُهُوضَ بِهَا … وَإِنْ يَكُ صَائِغُ قَدْ صَاغَهَا ذَهَبَا

أَعِدْ عَلَى مَسْمَعِي ذِكْرَ الأُلَى سَلَفُوا … فَرُبَّ ذِكْرَى مَحَتْ فِيْمَا مَحَتْ كَرَبَا

وَرُبَّ ذِكْرَى سَرَتْ في جِسْمِ سَامِعِهَا … وَرَدَّتِ الرُّوْحَ فِيهِ بِعْدَمَا ذَهَبَا

فأَنْتَ كَالْوَحْيِّ لَمْ تَهْبِطْ عَلَى بَلَدٍ … إِلاَّ رَأَيْنَا بِهِ الآيَاتِ وَالعَجَبَا

كَمُحَكَّمِ الآي وَالتَّنْزِيلِ جِئْتَ بِهِ … وَقَدْ مَلأْتَ بِهِ الأَشْعَارَ وَالْكُتُبَا

فَيَا أَمِيرَ الْقَوَافِي رُبَّ مَمْلَكَةٍ … أَنَارَ قَوْلُكَ فِيهَا جَيْشَهَا اللُّجَبَا

وَرُبَّ قَوْلٍ جَرَى مِنْ فِيكَ حَزْتُ بِهِ … في عَالَمِ الشِّعْرِ دُوْنَ العَالَمِ القَصَبَا

فَمَا حَدَا الحَادِي إِلاَّ مِنْ قَصَائِدِكُمْ … وَلاَ شَدَا بُلْبُلٌ إِلاَّ بِهَا طَرَبَا

وَلاَ تَغَنَّى فَتَىً في الشَّرْقِ قَافِيَةً … إِلاَّ وَشِعْرُكَ مَا أَوْحَى وَمَا كَتَبَا

لَوْ كُنْتُ في الوَادِي ذَا مَالٍ أَقَمْتُ لَكُمْ … تَمْثَألَ دُرِّ وَلَمْ أَرْضِ بَهِ الذَّهَبَا

وَقُلْتُ لِلنًّاسِ طُوْفُوا حَوْلَهُ أَبَداً … مِثْلَ الْحَجِيجِ فَهَذَا كَعْبَةُ الأَدَبَا

فَارْجَعْ إلى مِصْرَ في أَمْنٍ وَعَافِيَةٍ … وَزُرْ دِمَشْقَ وَزُرْ بَغْدَادَ زُرْ حَلَبَا

وَصِفْ لَهُمْ مَا رَأَتْ عَيْنَاكَ في بَلَدٍ … أَبْنَاهُ لَيْسَ لَهُمْ إِلاَّ العُلا طَلَبَا

فَإِنْ أَصَاخُوا لِمَا تُمْلِيهِ وَاسْتَمَعُوْا … فَاخْبِرْهُمُ عَنْ بَنِي السُّودَانِ خَيْرَ نَبَا

وَقُلْ لَهُمْ إِنَّا لَمْ نَزَلْ هَدَفاً … لِكُلِّ رَامٍ وَمَنْ قَدْ لاَمَ أَوْ عَتَبَا

لاَ نَعْرِفَ النَّوْمَ إِلاًّ خِلْسَةً غَضَبَاً … وَالحُرُّ إِنْ مَسَّهُ مَا سَاءَهُ غَضِبَا

النِّيلُ في الْوَادِي يَرْوي كُلَّ ذِي ظَمإِ … وَلَيْسَ فِينَا فَتىً مِنْ مَائِهِ شرِبَا

لَنَا إِلَيْهِمْ حَنِينٌ دَائِمٌ وَهَوىً … مَهْمَا تَدَارى بِهِ عُذَّالُنَا حَلَبَا

فَهُمْ لَنَا إِخْوَةٌ بَلْ هُمْ أَشِقَّتُنَا … وَمِصْرُ لَمَّا تَزَلْ أُمًّا لَنَا وَأبَا

الشَّرْقُ يَجْمَعُنَا وَالنِّيلُ يَرْبِطُنَا … كَوِحْدَةٍ جَمَعَتْ مَا بَيْنَهَا العَرَبَا

أَمَّا الْمَلِيكُ فَإِنَّا لاَ نَكُنُّ لَهُ … إِلاَّ الوَلاءَ وَإِلاًّ الحُبَّ وَالأَدَبَا