مَنْ قَلَّدَ الزَّهْرَ جُمَانَ النَّدَى – محمود سامي البارودي

مَنْ قَلَّدَ الزَّهْرَ جُمَانَ النَّدَى … وألهمَ القمرى َّ حتَّى شدا ؟

وَزَيَّنَ الأَرْضَ بِأَلْواَنِهَا … وصوَّرَ الأبيضَ والأسودا ؟

سُبْحَانَ مَنْ أَبْدَعَ في مُلْكِهِ … حَتَّى بَدَا مِنْ صُنْعِهِ مَا بَدَا

تنَزَّهت عن صفة ٍ ذاتهُ … وقامَ فى لاهوتهِ أوحدَا

فَاسْجُدْ لَهُ، وَاقْصِدْ حِمَاهُ تَجِدْ … ربَّاً كريماً ، ومليكاً هدى

فَقُمْ بِنَا يَا صَاحِ نَرْعَ النَّدَى … ونسألِ الله عميمَ النَّدى

أما ترى كيفَ استحارَ الدُّجى ؟ … وكيفَ ضَلَّ النَّجمُ حتَّى اهتَدى ؟

وَلاَحَ خَيْطُ الْفَجْرِ فِي سُحْرَة ٍ … كصارمٍ فى قسطلٍ جُرِّدا

فالجوُّ قد باحَ بِمكنونهِ … وَالأَرْضُ قَدْ أَنْجَزَتِ الْمَوْعِدَا

غَمَامَة ٌ أَلْقَتْ بِأَفْلاَذِهَا … وَجَدْوَلٌ مَدَّ إِلَيْنَا يَدَا

فانهَض ، وسِر، وانظُر، ومِل ، وابتهِجْ … وَامْرَحْ، وَطِبْ، واشْربْ لِتُرْوِي الصَّدَى

ولا تسَل عَن خبَرٍ لم يَحِن … ميقاتهُ ، وانظُر إلى المُبتدا

وَلاَ تَلُمْ خِلاًّ عَلَى هَفْوَة ٍ … فقلَّما تَلقى فتى ً أَمجدا

لو علِمَ الإنسانُ ما أضمرَت … أَحْبَابُهُ، هَانَتْ عَلَيْهِ الْعِدَا

فَدَعْ بَنِي الدُّنْيَا لأَهْوَائِهِمْ … وَلاَ تُطِعْ مَنْ لاَمَ، أَوْ فَنَّدَا

ما لِي وَلِلنَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ؟ … كُلُّ امرئٍ رَهنُ حِسابٍ غَدا

هَلْ هِيَ إِلاَّ مُدَّة ٌ تَنْقَضِي؟ … وكُلُّ نَفسٍ خُلِقَت للرَّدى

فاستعمِل الرِفقَ تَعش راشداً … واعْطِفْ عَلَى الأَدْنَى تَكُنْ سَيِّدَا

واسعَ لما أنتَ لَهُ ، فالفتى … إِنْ هَجَرَ الرَّاحَة َ حَازَ الْمَدَى

ما خلقَ اللهُ الورَى باطلاً … لِيَرْتَعُوا بَيْنَ الْبَوَادِي سُدَى

فَاقبَل وصاتى ، واستمِع حِكمتى … فَلَيْسَ مَنْ أَغْوَى كَمَنْ أَرْشَدَا

إِنِّي وَإِنْ كُنْتُ أَخَا صَبْوَة ٍ … ومَسمَعٍ يُطربُنى من شدا

فقَدْ أزُورُ اللَّيثَ فى غابِهِ … وأهبِطُ الأرضَ عليها النَّدى

وأَصْدَعُ الْخَصْمَ، وَما خِلْتُنِي … أصدعُ إلاَّ البَطلَ الأصيدا

بِلَهْذَمٍ لَيْسَتْ لَهُ صَعْدَة ٌ … لَكِنَّهُ يَمْضِي إِذَا سُدِّدَا

أَوْ صَارِمٍ يَفْرِي نِيَاطَ الْكُلَى … وَلَمْ يزَلْ في جَفْنِهِ مُغْمَدَا

ماضِى الغرارينِ ، ولَكِنَّهُ … لا يعرِفُ الصَّيقلَ والمبَردا

أَوْ مِشْقَصٍ إِنْ فَوَّقَتْ نَصْلَهُ … إلى امرئٍ غيرُ يدٍ أقصدا

أَو طائرٍ فى وكرهِ جاثِمٍ … يشوقُ إن هينَمَ أو غرَّدَا

لم يعدُ كِنَّاً لم يزَلْ ساكِناً … فيهِ ، وباباً دونهُ مؤصَدَا‍‍‍‍‍‍‍‍

قَدْ لاَنَ، إِلاَّ أَنَّهُ إِنْ قَسَا … يومَ نِضالٍ ؛ صَدَعَ الجَلمدَا

مُعتَقلٌ ، لكنَّه مُطلقٌ … يَجولُ فى مَسكَنهِ سَرمَدا

يَحْكُمُ بِالذَّوْقِ علَى ما يَرَى … وَيَعْرِفُ الأَصْلَحَ وَالأَفْسَدَا

لهُ صِحابٌ قد أحاطَت بهِ … تنقُلُ عَنهُ نبَراتِ الصَدَى

فَهْوَ بِهَا مُجْتَمِعٌ شَمْلُهُ … إِنْ أَصْدَرَ الْقَوْلَ بِهَا أَوْرَدَا

مُشتَبِهاتُ الرَصفِ فى جودة ٍ … تَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي جَوَّدَا

يبيتُ مِنها وَهوَ ذو مِرَّة ٍ … في رَصَفٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ نُضِّدَا

ذَاكَ لِسَانِي، وَهْوَ حَسْبِي إِذَا … ما أبرَقَ الحاسدُ أو أرعدا

كلمات: ابوبكر سالم

ألحان: ابوبكر سالم